اغتيال إسرائيل للضباط الإيرانيين في سوريا.. هل قررت تل أبيب توسيع المواجهة؟
بعد اندلاع المواجهات الأخيرة في غزة أدخلت إسرائيل تعديلاً على استراتيجيتها الخاصة بكبح النفوذ الإيراني في سوريا، وباتت تستهدف في غاراتها الجوية كوادر مؤثرة في الحرس الثوري الإيراني، خصوصاً تلك المتخصصة بنقل الأسلحة إلى سوريا ولبنان وفلسطين.
هجوم دمشق / صورة: AA (AA)

قبل هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 الذي شنته فصائل المقاومة الفلسطينية على قوات الاحتلال الإسرائيلي في محيط قطاع غزة، كانت تنتهج إسرائيل في غاراتها الجوية على شحنات الأسلحة التي تنقلها إيران إلى سوريا نهجاً لا يركز بشكل كبير على استهداف الأشخاص، ولكن على تدمير شحنات الأسلحة وخصوصاً أنظمة الدفاع الجوي التي تعمل طهران على تركيبها ضمن قواعد في الأراضي السورية، تتبع للفصائل المرتبطة بإيران.

وبعد اندلاع المواجهات الأخيرة في غزة أدخلت إسرائيل تعديلاً على استراتيجيتها الخاصة بكبح النفوذ الإيراني في سوريا، وباتت تستهدف في غاراتها الجوية كوادر مؤثرة في الحرس الثوري الإيراني، خصوصاً تلك المتخصصة بنقل الأسلحة إلى سوريا ولبنان وفلسطين، والمنخرطة في العمل الاستخباري، وفق ما أكده خبراء.

متغيرات في طبيعة الضربات

مثلت عملية اغتيال القيادي الكبير في الحرس الثوري الإيراني رضي موسوي في شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي تجسيداً لهذا التغيير الذي طرأ مؤخراً على الهجمات الإسرائيلية ضد الأهداف الإيرانية في سوريا، مع الحفاظ على الهدف العام للضربات المتمثل بإضعاف النفوذ الإيراني في سوريا.

وموسوي يعتبر من أهم قيادات الحرس الثوري الإيراني المنخرطة منذ سنوات طويلة في الإشراف على نقل الأسلحة من إيران إلى سوريا ولبنان، بالإضافة إلى تقديمه الاستشارة العسكرية للفصائل المرتبطة بإيران المنتشرة ضمن البلدين المذكورين.

وأتبعت إسرائيل اغتيال موسوي بتصفية 5 مستشارين في الحرس الثوري الإيراني بغارة جوية نفذها سلاح الجو في 20 يناير/كانون الثاني الجاري، استهدفت مبنى يقيمون بداخله في العاصمة السورية دمشق، ومن بين المستشارين مسؤول الاستخبارات في الحرس الثوري الإيراني ويدعى العميد علي آغا زاده.

ويؤكد الصحفي المتخصص بالشؤون الإسرائيلية والمراقب للنشاط العسكري الإسرائيلي في سوريا خالد خليل ظهور تحول كبير في طبيعة الأهداف التي تركز عليها تل أبيب مؤخراً.

ويضيف خليل لـTRT عربي أن إسرائيل باتت تركز على استهداف مقرات قيادية لإيران في سوريا إلى جانب اغتيال شخصيات بارزة، مشيراً إلى أنها سابقاً كانت تستهدف بالدرجة الأولى العتاد العسكري ومنظومات دفاع جوي ومنصات إطلاق صواريخ.

ويلفت إلى الأهداف التي ضربها سلاح الجو الإسرائيلي من خلال مئات الغارات على سوريا منذ عام 2013، التي أطلق عليها اسم "المعركة بين الحروب".

من جانبه يشير الخبير العسكري إسماعيل أيوب إلى أن المستشارين العسكريين الإيرانيين الذين اغتالهم إسرائيل على علاقة بقائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني.

ويبيّن أيوب في حديثه مع TRT عربي أن الضربات الإسرائيلية تركز على شخصيات إيرانية لها أدوار محددة في سوريا والعراق، خصوصاً أن هذه القيادات ربما شذت عن حدود النشاط المسموح به من قِبل إسرائيل والغرب.

من ناحية أخرى، اعتبر الباحث المتخصص بالشؤون العسكرية ضياء قدور أن إسرائيل باغتيالها قيادات الحرس الثوري الإيراني "تجاوزت قواعد الاشتباك المتعارف عليها بينها وبين إسرائيل".

ويلفت قدور في حديثه مع TRT عربي إلى أن اغتيال جنرال في الحرس الثوري الإيراني، فضلاً عن 5 آخرين في عمليتين منفصلتين ومتقاربتين في الفترة الزمنية، هو حدث نادر لم يحصل سابقاً، خلال العقد الماضي الذي نشطت فيه العمليات الجوية الإسرائيلية ضد أهداف إيرانية في سوريا.

أهداف الغارات على سوريا

يتزامن تصعيد إسرائيل غاراتها الجوية على القيادات الإيرانية في سوريا مع الصعوبات البالغة التي يواجهها الجيش الإسرائيلي في التقدم جنوب قطاع غزة، إذ أقر دان غولدفوس قائد فرقة المظليين 98 المكلفة السيطرة على خان يونس بصعوبة العمليات العسكرية التي تستهدف الإطباق على شبكة معقدة من الأنفاق تحت الأرض.

ويربط قدور بين الهجمات التي تنفذها إسرائيل على الأراضي السورية وبين عملية 7 أكتوبر/تشرين الأول، ويعتقد أن استهداف مراكز القيادة وكبار الضباط الإيرانيين الموجودين على الأراضي السورية يعبر عن رغبة تل أبيب في تنفيذ أكبر قدر من الأعمال الانتقامية، بالتوازي مع حالة شبه الاستعصاء التي وصلت إليها العمليات القتالية في جنوب قطاع غزة.

ويردف: "لذا اتجهت إسرائيل للانتقام عبر ممارسة أقصى قدر من الضغط على إيران، خصوصاً أن الأخيرة أبدت ردود أفعال دون المستوى على استهداف ضباطها".

ويرجح خالد خليل أن تل أبيب تسعى لتوسيع رقعة الصراع بعد مضي ثلاثة أشهُر ونصف من إعلانها الحرب على غزة من دون أن تتمكن من تحقيق أهدافها المعلنة، والمتمثلة بالقضاء على حركة حماس أو تحرير الأسرى.

ويؤكد الصحفي المتخصص بالشؤون الإسرائيلية أن مساعي إسرائيل لتوسيع الصراع وإدخال القيادات الإيرانية ضمن المستهدفين، هدفه ترميم صورة تل أبيب واستعادة قدرتها على الردع التي انهارت بعد هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول في محيط غزة.

ويشير إلى أن إسرائيل اختارت خاصرة رخوة لاستهداف المحور الإيراني، وتتمثل هذه الخاصرة في سوريا، بعد عدم نجاح حشد تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة من أجل ضرب جماعة الحوثي، وعدم رغبة واشنطن في تمدد الحرب إلى لبنان وانخراطها في وساطة لحصول تسوية بين إسرائيل وجنوب لبنان.

وإضافة إلى رغبتها في تسجيل نصر خارج نطاق حدود غزة من خلال عمليات اغتيال مؤثرة، يعتقد خليل أن إسرائيل أيضاً ترغب في جر أمريكا للصراع بعد توسيعه وتوريط إيران، لا سيّما أن الجيش الأمريكي أرسل في الآونة الأخيرة حاملات طائرات وسفناً حربية إلى الخليج العربي والبحر الأحمر.

ولم يستبعد خليل أن يكون النهج الإسرائيلي المتبع مؤخراً المتمثل في اغتيال قيادات الحرس الثوري الإيراني هو خدمات تقدمها إسرائيل للولايات المتحدة الأمريكية لكفايتها عناء الرد على استهداف الفصائل المدعومة من الحرس الثوري للقواعد الأمريكية، بالإضافة إلى استجابة تل أبيب للضغوط الأمريكية الرامية إلى إلزام إسرائيل التحول إلى المرحلة الثالثة من العمليات العسكرية القائمة على كثافة أقل وأهداف نوعية أكثر.

TRT عربي