ألّف بيروك أوّل كتاب له عام 1995، ثم انتظر عشر سنوات قبل تقديمه لدار النشر. يُعرّف نفسه بأنه كاتب باللغة الفرنسية وليس فرانكفونياً. دفعه إتقانه للغة موليير إلى اختيارها للكتابة، ولكن أيضاً بدافع حبّه لهذه اللغة التي سمحت له بإبراز موهبته الشعرية والأدبية العظيمة.
يطغى على مؤلفات بيروك ارتباطه بالصحراء، وهو ما يعني تمسّكه بالتقاليد التي نشأ وترعرع في وسطها. ويظهر ذلك جلياً في روايته "طبول الحرب" الصادرة سنة 2015، والحائزة على جائزة "كاروما" 2016.
منذ روايته الأولى "ونسيَت السّماء أن تُمطر"، خصص الكاتب الموريتاني مؤلفاته بالكامل للصحراء وعاداتها والحياة اليومية لشعوبها من طوارق، وتبو وعرب وغيرهم، لا سيما في روايته "الجلوس بين عالمين: الصحراء والمدينة، التقاليد والحداثة".
وكان من آخر روايات، أمبارك بيروك، رواية "أنا وحيد"، التي قدّمتها دار النشر الإسبانية Libros de las Malas Compañías هذا الأسبوع مترجمة للغة الإسبانية، لتكون بذلك أول رواية في الأدب الموريتاني تُترجم إلى لغة الكيخوتي. يعرض المؤلف في هذا العمل الأدبي حواراً داخلياً يدور في ذات رجل كان محتجزاً في غرفة أثناء تعرّضه للاضطهاد من جماعة متطرفة. ويحاول بيروك في هذه الرواية عكس معاناة الكثير من سكان القارة الإفريقية بسبب انتشار الحركات الجهادية والفكر المتطرف.
وتدور أحداث الرواية حول حياة رجل يعود إلى مدينته بعد جولة في الصحراء. وعند عبوره أول زقاق، يلتقي محبوبته السابقة "نزهة" التي تبلّغه أنّ حياته أضحت في خطر لأن القرية سقطت في أيدي الجهاديين، وتحثّه على التواري عن الأنظار والاختباء في غرفة دون أن يعلم أحد بمكان وجوده.
ويجد بطل الرواية نفسه بعيداً عن عائلته وأصدقائه معزولاً في غرفة موصدة. هناك، في الظلام الدّامس، يبدأ البطل في حوار داخلي يتأمل فيه الأسباب التي أرغمته على الحبس وعدم معقولية أفكار التعصب الديني الذي اعتنقه بعض أصدقائه وجيرانه الذين يطاردونه الآن. تُهاجمه الأسئلة اللامتناهية حول الإنسان والمصير ودوافع الشر والخير وغيره، وتصبح الساعات طويلة مملة.
تظلّ محبوبته السابقة نزهة هي صلته بالعالم الخارجي والشخص الوحيد الذي يعرف مكانه، لتتحول إلى أمله الأوحد للتخلص من عزلته وإخراجه من الظلام.
وقد تمكّن الكاتب، في مئة صفحة فقط، من تأليف رواية شيّقة ذات كثافة شديدة، وتتميز بأسلوب تطبعه الشاعرية وقوّة النّص، حازت على جائزة "أحمد بابا" عام 2019.
ونُشرت الرواية بالفرنسية عام 2018، لتلقى استحسان النقّاد الأدبيين في فرنسا بعد تقديمها. وبشأنها قال الصحفي في راديو فرنسا الدولي (RFI)، تيرزانكار شاندا، إنها تقع "في منتصف الطريق بين انتظار جودو وألف ليلة وليلة". وعلّق، آلان فوجاس، الصحفي بمجلة "جون أفريك" بقوله إنّ "البطل المنعزل في مساحة صغيرة ينتظر حبيبته السابقة لبضع ساعات تبدو غير منتهية، يشرع خلالها في المناجاة بعبارات ناعمة، والتعبير عن أحاسيسه في حوارات داخلية". وبالنسبة للصحفيّة، غلاديس ماريفات، من جريدة "لوموند" فإنّ "بيروك يتحدث للعالم من الصحراء، حيث إنّ حساسية الكاتب تتجاوز القضايا الحالية التي تقترب من القارة الإفريقية لمعالجة القضايا العالمية".
وفي سؤال لموقع TRT عربي حول سبب اختيار هذه الرواية دون غيرها ليكون لها السّبق كأول عمل أدبي موريتاني يُترجم للغة الإسبانية، ردّ ممثل دار النشر الإسبانية ومُترجم الرواية الصحفي، أليخاندرو دي لو سانتوس، أنّ "ما دفعنا إلى ترجمة الرواية هو جودة الكتابة والأسلوب الشعري وطريقة كتابة المؤلف، بالإضافة إلى موضوع السّاعة الذي هو محل اهتمام كبير في إفريقيا والشرق الأوسط". ويضيف دي لوس سانتوس قائلاً: "وجدنا أيضاً أنه من المثير للاهتمام نشر مؤلف معين من موريتانيا لأنها بلد لا يُعرف عنه سوى القليل بشكل عام في إسبانيا وفي البلدان الناطقة بالإسبانية، على الرغم من وجود اثنين من المخرجين الرائعين مثل، عبد الرحمن سيساكو، والرّاحل ميد هوندو، ومغنيين فريدين مثل، ديمي منت آبا، أو نورة منت إسماعيل. كلّ هؤلاء عملوا كسفراء ثقافيين لبلدهم. أمبارك بيروك أيضاً في المجال الأدبي الفرنكوفوني. إنّه كاتب يستحقّ أن يكون معروفاً في مجتمعات لغوية أخرى على نطاق واسع مثل المجتمع الإسباني".
ويستطرد مترجم الرواية الإسباني بالقول: "هناك هدف تجاري أيضاً بطبيعة الحال، لكن السوق شديدة التنافس وليس من السهل الحصول على مكان فيها. بعض الأسماء الإفريقية مثل غويتزي أو غايل فايا أو ليلى سليماني أو تشيماماندا أديتشيا حققت مبيعات فاقت كل التوقعات في إسبانيا. ولذلك يُنشر للمزيد مِن الكتّاب الأفارقة، هذا العام هناك أخبار سارّة، على سبيل المثال، ستُترجم لأول مرة روايةٌ للكاتب السوداني المميز، عبد العزيز بركة ساكن. وهناك مجتمع من القراء يذهبون إلى أندية محددة في إسبانيا لقراءة الأدب الإفريقي، والذين يطالعون أيضاً المدونات والصفحات المتخصصة، والتي يتزايد عددها يوماً بعد يوم".
ولعب الكاتب، أمبارك بيروك، دوراً أساسياً في النضال من أجل حرية الصحافة والتعبير في موريتانيا، فهو مؤسس أول صحيفة مستقلة في البلاد، (موريتانيا الغد)، وأول جمعية صحفية مستقلة. وهو عضو منذ عام 2006 في الهيئة العليا لقطاع الصحافة والسمعي البصري في بلده. نشر ستّ روايات وقصص قصيرة حتى الآن جعلته يفوز بجوائز مثل Grand Prix du roman métis des lycéens وجائزة Ahmadou Kourouma واختياره كمرشح نهائي لجائزة Cinq Continents de la Francophonie. ويعمل منذ عام 2016 مستشاراً للشؤون الثقافية في رئاسة الجمهورية الموريتانية.
أمّا الصورة الموجودة على غلاف رواية "أنا وحيد" فهي للمصوّر الإيطالي، ماسيمو زيكيني، وتُظهر منزل عمدة مدينة ولاتة جنوب شرق موريتانيا. يعود الطراز المعماري، مثله مثل المدن التاريخية الأخرى في البلاد، إلى قصر الحمراء في غرناطة والحدائق الملكية "الكاثاريس" في إشبيلية. ووفقاً للمهندس الإسباني، خوسي كورال خام، المسؤول سابقاً عن الحفاظ على قصر الحمراء وحدائق الخليفة، تركت قوافل الصحراء التي غادرت الأندلس إلى تمبكتو آثاراً للهندسة المعمارية الإسلامية الإسبانية في أعقابها، وهو التراث الذي لا يزال محفوظاً اليوم في مدينة ولاتة الموريتانية.
وتعدّ هذه الرواية الأولى ضمن مشروع "ليبروس ديل بواب"، المخصص للأدب الإفريقي، وهو نتيجة تعاون بين دار النشر الإسبانية Libros de las Malas Compañías وجمعية Baridi Sana. ويهدف المشروع إلى تنويع الأصوات الإفريقية المُترجمة إلى الإسبانية وتقديم أسماء إلى السوق الإسبانية تسلّط الضوء على المشاكل المعاصرة في إفريقيا والعالم. ويعمل المشروع من خلال نظام اشتراك سنوي من أجل إنشاء مجتمع من القرّاء الملتزمين بأهمية تعرّف القارة الإفريقية بشكل أفضل من خلال كُتّابها. وسيُطرح الإصدار التالي للبيع في أيلول/سبتمبر وهو رواية "الرفيق بابا" للكاتب الإيفواري الغوث.