أربعة أيام على موعدها.. ثلاث خطط للقوى المتنافسة في الانتخابات الفرنسية
أربعة أيام تفصلنا عن موعد الانتخابات الفرنسية، المزمع إجراء جولتها الأولى 30 يونيو/ حزيران الجاري، وتأتي عقب إعلان الرئيس إيمانويل ماكرون في 9 من ذات الشهر حل البرلمان، رداً على هزيمته أمام اليمين المتطرف في البرلمانيات الأوروبية.
ثلاث خطط للقوى المتنافسة في الانتخابات الفرنسية / صورة: AP (AP)

وبالرغم من قصر مدتها أخذت الأحزاب الفرنسية في إعداد خططها لإدارة الحملة الانتخابية المفاجئة. ومع اقتراب موعد الاقتراع، أفرزت الخريطة السياسية في البلاد ثلاث قوى رئيسية متنافسة؛ حزب "التجمع الوطني" اليمين المتطرف، تحالف "الجبهة الشعبية الجديدة" الذي يضم معظم أطياف اليسار، وحزب النهضة الذي ينتمي إليه ماكرون.

وفيما تجمع معظم استطلاعات الرأي على استمرار تقدّم اليمين المتطرف، أسهمت الوتيرة السريعة التي تحرك بها اليسار لتشكيل ائتلافه في جعله القوة السياسية الثانية في الانتخابات، بفارق ضئيل عن الأولى. فيما يظل الحزب الحاكم متأخراً في المركز الثالث، يصارع لإيجاد موطئ قدم بين منافسيه الشرسين.

اليمين المتطرف يواصل صعوده

وبعد أن كان وراء الزلزال الذي ضرب الساحة السياسية الفرنسية هذا الشهر، باكتساحه نتائج الانتخابات الأوروبية، يواصل حزب "التجمع الوطني" اليميني المتطرف استغلال لحظة صعود شعبيته إلى مستويات لم يشهد مثلها من قبل، ومن خلالها يسعى لدخول الانتخابات بخطاب يركز على هويته السياسية وبرنامج يؤكد توجهاته في قضايا مثل الهجرة والأمن.

وفي 9 يونيو/حزيران، تَصدر حزب التجمع الوطني بقيادة جوردان بارديلا، نتائج الانتخابات الأوروبية في فرنسا، بنسبة تزيد على 31,5% من الأصوات حصل من خلالها على 31 مقعداً في البرلمان الأوروبي، متقدماً بفارق كبير على حزب الرئيس إيمانويل ماكرون، الذي توقفت نتائجه عند 15,2% من الأصوات.

ولم تكشف استطلاعات الرأي الأخيرة حول نوايا التصويت، عن جديد فيما يخص تقدم شعبية حزب اليمين المتطرف الفرنسي. وقال استطلاع لقناة "TF1" يوم الثلاثاء، إن 36% من الناخبين الفرنسيين ينوون منح "التجمع الوطني" أصواتهم خلال الانتخابات القادمة.

وفي استطلاع آخر، لمؤسسة "IPSOS" المختصة في الإحصاءات الاثنين، حل "التجمع الوطني" أولاً من حيث نوايا التصويت بنسبة 31.5%. ويمكن لهذه النسبة أن تصل إلى 35.5%، إذا أضفنا لذلك نوايا التصويت التي تحصّل عليها المرشحون الجمهوريون المدعومين من حزب لوبان، والتي بلغت 4%.

ومن أجل استغلال هذا التقدم، أصبح خطاب "التجمع الوطني" يركز على ضرورة حصوله على الأغلبية المطلقة، ووضع ذلك شرطاً لتكوينه الحكومة، بالتالي مساومة الناخبين بهذا الشرط للحصول على الأصوات. وهو ما صرح به زعيم الحزب جوردان بارديلا الأحد قائلاً: "لن نقبل بتشكيل الحكومة إذا لم نحصل على الأغلبية المطلقة، فلا يمكننا تغير الحياة اليومية للفرنسيين بأغلبية نسبية".

أما فيما يخص البرنامج الانتخابي، تعهد الحزب اليميني المتطرف بالتركيز على ثلاثة ملفات يعدها أساسية هي جودة الحياة، الأمن والهجرة، ووعد برفع القدرة الشرائية للفرنسيين، التي تعد المطلب الأكبر بعد موجة الأزمات الاقتصادية التي عاشوها، عبر تخفيض الضرائب على موارد الطاقة والخروج من النظام الأوروبي الموحد لتسعير الكهرباء.

وفيما يخص مسألة الهجرة، توعد "التجمع الوطني" بوضع حد لما يصفه "إغراق الشعب الفرنسي بموجة الهجرة"، بداية بإلغاء "الحق في الأرض"، وهو قانون يمنح المهاجرين المولودين في فرنسا حق أخذ الجنسية البلاد. وتجريم الإقامة غير الشرعية، ومنع تسوية وضعية المقيمين غير الشرعيين، وإلغاء أي قوانين تحول دون ترحيلهم. هذا بالإضافة إلى تشديد شروط التجمع العائلي.

وفي ملف الأمن، الذي يرتبط في نظر الحزب اليمينية المتطرفة بمسألة الهجرة، توعد الحزب بزيادة عدد رجال الشرطة ومنحهم صلاحيات أوسع في استخدام السلاح الوظيفي، مع إنشاء فرق جديدة للشرطة في التجمعات السكانية التي يفوق تعدادها 10 آلاف نسمة، وسن قوانين تحرم آباء القاصرين المدانين في جرائم، من الإعانات الاجتماعية للأسرة.

اليسار وخطة السد أمام اليمين المتطرف!

عقب إعلان ماكرون حلّ البرلمان، سارع قادة أحزاب اليسار الفرنسي إلى تشكيل تحالف جديد، أطلقوا عليه اسم "الجبهة الشعبية الجديدة"، مستغلين في ذلك الزخم المناهض لليمين المتطرف، الذي انفجر في الشارع على شكل مسيرات احتجاجية عارمة ضد ما وصفه المتظاهرون بـ"الفاشية".

وأكسب هذا التوقيت "الجبهة الشعبية الجديدة" تقدماً ملحوظاً على مستوى الشعبية، جعلته المطارد الأقرب لـ"التجمع الوطني". بالإضافة إلى كونه تحالفاً واسعاً يضم كلاً من "الحزب الاشتراكي" الذي حل ثالثاً في الانتخابات الأوروبية بـ13.83% من الأصوات، وحزب "فرنسا الأبية" الذي حل رابعاً بـ9.89%، والخضر الذي حل خامساً بـ5.50%؛ أي بإجمالي أصوات قارب 30%.

وأجمعت استطلاعات الرأي على حلول "الجبهة الشعبية الجديدة" ثانياً في ترتيب القوى السياسية المتنافسة خلال الانتخابات. وحسب استطلاع أجرته مجلة "لوبوان" يوم الثلاثاء، تحصل التحالف اليساري على 30% من نوايا التصويت. وأشار استطلاع "TF1" إلى توقعات متقاربة، منحت الجبهة الشعبية 28.5%. وفي استطلاع "IPSOS"، حصلت على 29.5%.

وتتقدم الجبهة ببرنامج انتخابي اجتماعي، تتعهد فيه بتحسين دخل العمال ورفع مستواهم المعيشي، وزيادة الحد الأدنى للأجور، وإلغاء قانون المعاشات الجديد الذي سنّه ماكرون وواجه رفضاً واسعاً من الشارع، وإلغاء الضريبة التي فرضها ماكرون على المحروقات التي كانت السبب في انفجار حركة السترات الصفراء.

هذا بالإضافة إلى التأسيس لنظام جبائي عادل، بخفض الضرائب على الفقراء مقابل زيادتها على الأغنياء. ومحاربة الإسلاموفوبيا والتمييز العنصري ومعاداة السامية، عبر تشديد العقوبات على مرتكبي الانتهاكات في هذا الإطار.

على مستوى السياسة الخارجية، وعدت الجبهة الشعبية بالاعتراف بفلسطين، واعتبار ذلك السبيل الوحيد نحو حل عادل للقضية، والضغط من أجل وقف إطلاق نار دائم وإنهاء الحرب في غزة. بالإضافة إلى دعم أوكرانيا في حربها، والسعي لتحقيق السلام والأمن في أوروبا.

وحسب محللين، فإن صعود شعبية الجبهة الشعبية يمكن أن يؤدي إلى قلب الطاولة على اليمين المتطرف في الجولة الثانية من الانتخابات. ويراهن التحالف اليساري في تلك الجولة على المواجهات الثنائية مع مرشحي "التجمع الوطني"، إذ إنهم الوحيدون القادرون على تشكيل سد أمام صعود مرشحيه، وهو ما سيمكنهم من حصد كل الأصوات المعارضة لليمين المتطرف، بما في ذلك اليمين المعتدل.

ماكرون وسياسة التخويف من الطرفين

أما الرئيس ماكرون والكتلة الحاكمة، المكونة من حزبي "النهضة" و"الحركة الديمقراطية"، فإن حسم السباق الانتخابي لصالحهما يبقى أمراً صعباً، حسبما أفضت إليه استطلاعات الرأي، إذ وضعت التكتل الليبرالي في مركز ثالث بفارق كبير عن أول وثاني الترتيب.

ووفق استطلاع "لوبوان"، حصلت الكتلة الحاكمة على 19.5% من نوايا التصويت. وفي استطلاع "TF1"، حصلت على 21%. وكشف استطلاع "IPSOS" هو الآخر، على أن 19.5% فقط من الفرنسيين ينوون منح ماكرون أصواتهم.

أمام هذا الواقع، اختار الرئيس الفرنسي وحزبه خطة انتخابية، مفادها اللعب على وتر الترهيب مما أسموه "المتطرفين"، على اليمين واليسار، مستغلاً في ذلك حتى مشاهير كرة القدم الفرنسية للترويج لخطابه السياسي.

وفي تصريحات عقب مباراة المنتخب الفرنسي ضد نظيره النمساوي في "يورو 2024"، يوم الأربعاء 19 يونيو/حزيران، أدلى مهاجم المنتخب الفرنسي كيليان مبابي تصريحات بشأن الانتخابات، قال فيها: "إن المتطرفين على أبواب الحكم في البلاد، وأنا لا أرغب في تمثيل بلد لا يعبر عن قيمي". وهي التصريحات التي اعتبرها محللون، دعماً ضمنياً من اللاعب لحملة رئيس الجمهورية.

وبرز نفس الخطاب بشكل أكثر حدة على لسان الرئيس الماكرون، إذ حذّر في تصريحات، من أن التطرف اليميني أو اليساري، "سيؤدي بالبلاد إلى حرب أهلية"، في إشارة إلى حزبي "التجمع الوطني" أو "فرنسا الأبية" المنتمي لائتلاف الجبهة الشعبية الجديدة.

وأضاف: "أقول لكم بمسؤولية: لا يمكننا أن نتركهم يصعدون فيما نقول لأنفسنا: الأمر خطير للغاية لكن حدوثه مفروغ منه! (...) الآن هو الوقت المناسب لتحمل المسؤولية"، في إشارة إلى ضرورة التصويت لائتلافه الحاكم.

TRT عربي