مع تصاعد حدة الحرب الباردة، وردّاً على تأسيس القوى الغربية حلف شمال الأطلسي "ناتو"، قرر المعسكر الشرقي عام 1955 تأسيس حلف جديد، هدفه الأساسي مواجهة الناتو.
فكانت بذلك انطلاقة حلف وارسو الذي استمر لما يزيد على ثلاثة عقود، بثّ فيها الرعب وشكّل خلالها أكبر تهديد لأوروبا. وكان الاتحاد السوفييتي حينها يهيمن على مسارات الحلف وصياغة قراراته وتحركاته ويسيطر على جميع مفاصله، ليتزامن بعد ذلك انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991 مع انهيار الحلف.
واليوم، مع عودة المواجهة بين المعسكرين الغربي والشرقي، التي أشعلت فتيلها الحرب الروسية الأوكرانية منذ فبراير/شباط الماضي، تستعيد الأذهان سيناريو المواجهة بين الناتو، ووارسو الذي رجّح مسؤولون ومحللون أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد يسعى لإحيائه.
"وارسو".. قبضة من حديد على أوروبا الشرقية
تأسس حلف وارسو أو "منظمة معاهدة وارسو"، التي عُرفت رسميّاً بمعاهدة الصداقة والتعاون والمعونة المشتركة، يوم 14 مايو/أيار 1955، وهو معاهدة أمن مشترك وُقّعت في العاصمة البولندية وارسو، بين الاتحاد السوفييتي وألمانيا الشرقية وبولندا والمجر ورومانيا وبلغاريا وتشيكوسلوفاكيا، وألبانيا التي انسحبت لاحقاً عام 1968.
وتَشكَّل الحلف ردّاً على انضمام ألمانيا الغربية إلى حلف شمال الأطلسي "ناتو" الذي كان تأسس عام 1949 ممثلاً تحالفاً عسكرياً بين الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وعدد من البلدان الأوروبية.
وكان الناتو حينها يسعى لمواجهة ما وصفه بالتهديد التوسعي الروسي على الأبواب الغربية، في وقت تدور فيه رحى الحرب الباردة بين القوتين العالميتين المتنافستين، الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي.
وقّعَت الدول المنضوية ضمن حلف وارسو اتفاقية دفاعية وأسست بعد ذلك جيشاً مشتركاً، لكن الاتحاد السوفييتي كان يخفي في طيات ذلك طموح الهيمنة الحديدية على أوروبا الشرقية، وضرب جميع محاولات الخروج من الحلف.
ففي عام 1956 تدخلت القوات السوفييتية لقمع الثورة التي اندلعت في المجر وكانت تنادي بمغادرة الحلف، وأسفر الهجوم العسكري عن سقوط أكثر من 2500 قتيل.
وفي عام 1968 تَذرَّع السوفييت بميثاق الحلف لإضفاء شرعية على اجتياحهم العاصمة التشيكوسلوفاكية براغ، التي انتفضت ضدّ نظم الحكم الشيوعية، وانضمت حينها جميع الدول الأعضاء في الحلف، باستثناء رومانيا.
وتَكرَّر السيناريو ذاته مع كل محاولة للانسحاب من الحلف، فبثّ بذلك "وارسو" الرعب في أوروبا، وأدانت العواصم الغربية الحروب والجرائم التي ارتكبها الحلف تحت رايات مختلفة، وتحت ستار "الاتفاق الدفاعي".
كيف انهار وارسو؟
مع تردِّي الأوضاع الاقتصادية أواخر ثمانينيات القرن الماضي، وتصاعد التطلعات الوطنية لدول أوروبا الشرقية، وانبثاق حركات مناهضة للسوفييت ومعادية للشيوعية، وصل وارسو إلى حافة النهاية.
بدأ الحلف الذي يقوده الاتحاد السوفييتي والذي يشارف على الانهيار، في التصدع، وتَخلَّى الاتحاد السوفييتي عن قيادة جيوش الدول الشرقية بعد أن بدت نهايته تلوح في الأفق، و كان الحلف زاد إنهاكه والأعباء عليه طوال ثلاثين عاماً، لم يتمكن فيها من تحقيق طموح السوفييت التوسعية.
ومع سقوط جدار برلين عام 1990 وانسحاب ألمانيا الشرقية من الحلف وتوحيدها مع الجزء الغربي وانضمامها رسمياً إلى الناتو، ولحاق تشيكوسلوفاكيا والمجر وبولندا ثم بلغاريا بها، أُعلنَ رسمياً انهيار الحلف.
إذ جرى حلّ حلف وارسو رسمياً خلال الاجتماع الأخير للجنة الاستشارية السياسية في 1 يوليو/تموز 1991 في براغ.