ملاعب غارقة وعشب متطاير.. إخفاقات ألمانيا في تنظيم "يورو 2024"
شهدت النسخة 17 من بطولة كأس الأمم الأوروبية لكرة القدم "يورو 2024"، التي تنظم مجرياتها حالياً في ألمانيا، أحداثاً تبرز ضعف تنظيم هذه الدورة، وهو ما جر انتقادات كبيرة على البلد المنظم وسخرية عدد من الأطراف المهتمة باللعبة.
إخفاقات ألمانيا في تنظيم "يورو 2024" / صورة: Reuters (Reuters)

ورصدت وسائل الإعلام الدولية، التي تعمل في تغطية "يورو 2024"، حوادث غريبة طالت البنية التحتية الرياضية في ألمانيا، مثل غرق الملاعب بمياه الأمطار، وهلع المتفرجين من هجوم أسراب النحل عليهم. كما تذمّر عدد ممن زاروا البلاد لحضور الحدث، من صعوبة التنقل وقلّة وسائل النقل.

وتأتي هذه الأحداث لتؤكد المخاوف التي كشفت عنها تقارير عديدة، سبقت انطلاق الحدث الرياضي الأكبر الذي تستضيفه ألمانيا منذ مونديال 2006. إذ توقّع محللون تأثير الوضع الاقتصادي الصعب في البلاد، وترهل بنيتها التحتية، على تنظيم الـ"يورو".

ملاعب غرقى وعشب متطاير

وكان ما شهدته مباراة المنتخب الألماني ونظيره المجري يوم الأربعاء، أحد أغرب الأحداث في تاريخ كرة القدم، إذ هاجم سرب من النحل الجماهير في ملعب "إم إتش بي أرينا" بمدينة شتوتغارت قبيل انطلاق المباراة، وهو ما أحدث هلعاً واسعاً في أوساطهم.

وذكرت صحيفة "ذا صن" البريطانية، أن المنظمين أهملوا عشاً للحشرات المنتجة للعسل، كان داخل لوحة إعلانية بجانب الملعب. فيما لم تكن هي المرة الأولى بملعب شتوتغارت خلال الشهر الجاري، حسبما كشفت الصحيفة.

وتدخّل رجال إطفاء مختصين من أجل تفكيك القفير وإبعاد النحل عن الملعب، وقال متحدث باسم فرقة الإطفاء: "كان لا بد من تفكيك لوحة الإعلانات الرقمية جزئياً لإخراج النحل".

وفي مباراة يوم الخميس، التي جمعت منتخبي إنجلترا والدانمارك، عانى اللاعبون من سوء أرضية ملعب "فالدستاديون" بفرانكفورت، وظهر ذلك عبر قطع العشب التي ظلت تتطاير مع ركل اللاعبين للكرة، وانزلاق عديد منهم على العشب المبلل.

واحتج مدرّب المنتخب الانجليزي غاريث ساوثغيث على الوضع، مشيراً إلى أن لاحظ تفكك قطع من أرضية ملعب فرانكفورت، خلال مقابلة بلجيكا يوم الاثنين. وأضاف: "عندما يلعب المرء على ملعب كهذا فإنه يكون في حالة من التوتر لأنه لا يكون متأكداً من خطواته".

فيما أرجع مراقبون حالة الملعب المذكور إلى الأمطار التي تساقطت عليه طوال الأسبوع، علماً أن الإدارة كانت أغلقت سقف الملعب لمدة 24 ساعة قبل مباراة المنتخب الإنجليزي.

وفي ذات السياق، وخلال مباراة المنتخب التركي ونظيره الجورجي الثلاثاء، أظهرت مشاهد غرق ملعب مدينة دورتموند بمياه الأمطار، وتسرب المياه في شكل سيول من سقف الملعب.

وانتقد اللاعب المصري السابق والمحلل الرياضي محمد أبو تريكة، سوء التنظيم الألماني لـ"يورو 2024". وقال في تصريحات: "إذا كان هم قد وضعوا أيديهم على أفواههم خلال تنظيم مونديال قطر، فنحن اليوم نضع أيدينا على أعيننا من سوء تنظيم اليورو، لأن لديهم مشاكل كبيرة في التنظيم، لديهم شغب المشجعين، ولديهم ملاعب تنزل المياه من سقفها في سيول".

وسخر الحساب الرسمي للاتحاد الإفريقي لكرة القدم (الكاف) بشكل غير مباشر من الأحداث التي وقعت في ملعب دورتموند. ونشر "الكاف" صوراً من بطولة كأس الأمم الإفريقية الأخيرة التي أقيمت في كوت ديفوار، ومن ملاعبها المغطاة على مستوى المدرجات، معلقاً: "هكذا تكون استضافة البطولات الكبرى".

إخفاقات ألمانيا في تنظيم الـ"يورو"

وأبرزت هذه الأحداث، ومشاكل أخرى عرفها "يورو 2024"، إخفاق ألمانيا في تنظيم الحدث الرياضي القاري الأبرز. وهو ما أشارت إليه صحيفة "نيويورك تايمز" في تقرير نشره قسمها المختص في أخبار الرياضة، بأن تنظيم "يورو 2024" يجعلك "تنسى كل ما عهدته عن الكفاءة التنظيمية لألمانيا".

وقالت الصحيفة بأن منظمي البطولة وجدوا صعوبة في السيطرة على الحشود خارج الملاعب، كما عانى المشجعون من ظروف بائسة في الطريق من وإلى المباريات، في وقت فشلت فيه خدمات المترو والسكك الحديدية داخل المدن المضيفة للاستجابة للطلب الإضافي على النقل.

وأشار ذات المصرد، إلى أن قطارات المترو في ميونيخ توقفت عشية مباراة الافتتاح، وذلك بسبب الحشود التي فاقت طاقتها الاستيعابية. وشهدت الساحات خارج ملعب "أليانز أرينا" اكتظاظاً كبيراً للجماهير، وأحداث شغب وفوضى، بسبب فشل عملية تقسيم مناطق الولوج إلى الملعب.

وحتى قبل انطلاق الـ "يورو"، حذّرت تقارير عديدة من الصعوبات التي قد تواجهها ألمانيا في تنظيمه، وعلى رأسها ترهل البنية التحتية للبلاد. وأشارت إلى أنه يصعب على برلين استدراك هذا الموقف، في الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها، إذ لا تزال البلاد تكافح للخروج من الانكماش الاقتصادي.

وبالنسبة إلى البنية التحتية الرياضية، قررت ألمانيا الاعتماد على الملاعب الموروثة من مونديال 2006، التي تبلغ من العمر الآن 17 عاماً والتي أبقيت على حالتها القديمة، فيما يعد ملعب "شتوتغارت أرينا" الوحيد الذي جرى تجديده وتحديثه، بتكلفة مالية قاربت 140 مليون يورو.

غير أن المشكلة الكبرى هي البنية التحتية لوسائل النقل، خصوصاً شبكة القطارات، التي تعاني من ضعف البنية وكثرة الأعطاب وعدم انضباط مواعيد العمل، بالإضافة إلى نقص الموظفين والإضرابات العمالية التي أصبح تشلها في مرات عدة مؤخراً.

وحسب تقارير وزارة النقل الألمانية، بات 40 خطاً من خطوط السكك الحديدية متهالكاً ويستدعي إعادة البناء بالكامل، وهو ما يقدّر بطول إجمالي يبلغ 4000 كيلومتر.

وفي عام 2022، وصلت نسب التأخير في شبكة القطارات الألمانية إلى 45% من الرحلات. وقالت دراسة أخرى متعلقة بنفس العام، إن "دقة المواعيد استمرت في التدهور، على شبكة السكك الألمانية الوطنية بأكملها، على مدى السنوات العشر الماضية، إذ انخفضت من 80% إلى 60%".

وحذر تقرير لمكتب التدقيق الألماني، أن تشغيل شبكة السكك الحديدية الوطنية ومحطاتها وإشاراتها، إلى جانب عديد من خطوط السكك الحديدية الطويلة والمحلية القطارات، معرض لخطر التحول إلى "حفرة بلا قاع" لأموال دافعي الضرائب.

في السياق ذاته، تعاني الشبكة الطرقية في ألمانية نفس معاناة نظيرتها السككية، إذ إن ما يقرب من 4000 جسر طريق حالياً "غير ملائمة" للاستغلال، حسب تصنيف وزارة النقل الألمانية. ومن بينها جسر شيرشتاين، الذي قالت الوزارة أنه يعاني "من تمزق خطير في بنيته دون معالم تحذير"، ولكن لا يزال اليوم يستقبل نحو 80 ألف مركبة يومياً.

ووفقاً لوسائل إعلام أوروبية، فإن ألمانيا تعاني من تأخر كبير في البنى التحتية، بما في ذلك الطرق، والشبكات الكهربائية، وتغطية الهواتف المحمولة، والمؤسسات التعليمية، والتحول الرقمي للإدارة.

وترجع أسباب ترهل البنية التحتية الألمانية، إلى تراكم سنوات من ضعف الاستثمار العمومي الألماني في إصلاحها وتحسينها. وبلغت استثمارات ألمانيا في البنية التحتية عام 2022 نحو 29 مليار يورو، 89% منها مخصصة أساساً لشبكة الطرق.

لكن تبقى هذه الأرقام المطروحة من الحكومة الألمانية منخفضة جداً، مقارنة بجارتها الجنوبية فرنسا، التي خصصت 100 مليار دولار ميزانية أشغال عمومية في عام 2024.

فيما يزيد ضعف هذا الاستثمار، وينبئ بعدم زيادته على المدى القريب، الظرف الاقتصادي العسير الذي تمر به ألمانيا، إذ لا تزال تكافح للخروج من الانكماش الاقتصادي الذي تسببت فيه الصدمة الطاقية بُعيد اندلاع الحرب في أوكرانيا.

TRT عربي