يُحتمل أن تؤدي التحولات الكبرى التي نشهدها اليوم إلى نظام طاقة عالمي مختلف بشكل كبير بحلول نهاية هذا العقد، وفقاً لتقرير "توقعات الطاقة العالمية" لعام 2023 الصادر مؤخراً عن وكالة الطاقة الدولية.
ويصف الإصدار الأخير للوكالة نظام الطاقة في عام 2030، متوقّعاً أن تلعب التكنولوجيا النظيفة دوراً أكبر بكثير من الوضع الحالي.
ويشمل هذا مضاعفة أعداد السيارات الكهربائية 10 أضعاف في جميع أنحاء العالم، وتوليد الطاقة الشمسية الكهروضوئية لطاقة كهربائية أكثر مما ينتجه نظام الطاقة الأمريكي بأكمله حالياً.
وسيشهد العالم زيادة حصة مصادر الطاقة المتجدّدة من مزيج الكهرباء العالمي لترتفع بنحو 50% مقارنة بحوالي 30% اليوم، كما سيتضاعف حجم الاستثمار في مشاريع الرياح الجديدة ثلاثة أضعاف مقارنة بمحطات الطاقة الجديدة التي تعمل بالفحم والغاز.
كل هذا سيصبّ في صالح انتشار استعمال السيّارات الكهربائية التي تعتبر رافداً مهماً لتقليص انبعاثات غاز الدفيئة.
السيارات الكهربائية تقود التحول الأخضر
يُنظر إلى السيارات الكهربائية بوصفها التكنولوجيا الأساسيّة لتقليص انبعاثات الكربون في قطاع النقل البري الذي يمثل حوالي سُدس الانبعاثات العالمية.
ويبلُغ متوسّط درجة حرارة سطح الأرض العالمية اليوم حوالي 1.2 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل العصر الصناعي، ممّا يؤدي إلى موجات حرّ وظواهرَ جوية متطرفة -إذ سُجلت أرقام قياسية هذا العام- حتى قبل بلوغ انبعاثات غازات الدفيئة ذروتها.
كما أن قطاع الطاقة يُعتبر السبب الرئيس أيضاً للهواء الملوَّث الذي يضطرّ أكثر من 99% من سكان العالم إلى تنفّسه، وهو مرتبط بأكثر من 6.7 مليون حالة وفاة مبكّرة سنوياً.
انطلاقاً من هذا الواقع المعقّد، سوف يذكي ظهور اقتصاد جديد للطاقة النظيفة، يعتمد على الطاقة الشمسية والمركبات الكهربائية الأمل في السير في الطريق الصحيحة؛ لتحقيق أهداف اتفاق باريس للمناخ.
ويشير تقرير "توقّعات الطاقة العالمية" الأخير إلى ارتفاع الاستثمارات في الطاقة النظيفة بنسبة 40% منذ عام 2020، وانتشار استعمال التقنيات الصديقة للبيئة.
وفي ذلك العام، كانت واحدة من كل 25 سيارة تُباع حول العالم سيارةً كهربائية، لترتفع بشكل واضح في عام 2023 وتصل إلى سيارة واحدة من أصل كل 5 سيارات عالمياً.
وشهدت سوق السيارات الكهربائية في السنوات الأخيرة قفزةً هائلة على الصعيد العالمي، إذ تجاوزت المبيعات 10 ملايين سيارة كهربائية عام 2022، حسب تقرير نشرته الوكالة الدولية للطاقة، التي تتوقع بيع 14 مليوناً نهاية العام الجاري.
ونتيجة لذلك، يمكن أن تمثل السيارات الكهربائية 18% من إجمالي مبيعات السيارات على مدار العام بأكمله.
السيارات الكهربائية تعني انبعاثات أقل
تُعد السيارات الكهربائية جزءاً مهماً يُسهم في تحقيق الأهداف العالمية للحدّ من تغيّر المناخ، كما أنها عنصر من العناصر المُسهمة في تخفيف الانبعاثات الغازية للحدّ من الاحتباس الحراري إلى أقل من 1.5 درجة مئوية.
ويتّفق الخبراء على نطاق واسع على أن السيارات الكهربائية تخلق بصمة كربونية أقلّ على مدار عمرها مقارنة بالسيارات والشاحنات التقليدية العاملة بالوقود.
ومردّ ذلك إلى أن الانبعاثات الناتجة عن وسائل النقل البري لا تقتصر على انبعاثات عوادم السيّارات فقط، بل على مجمل انبعاثات دورة حياة الوقود.
وتشمل هذه الأخيرة عملية استخراج الوقود وتكريره ونقله، إلى جانب انبعاثات دورة حياة المركبة التي تشمل إنتاج مكوّنات العربة، ومراحل صناعتها، حتى إعادة تدويرها واستخدامها في نهاية عمرها الافتراضي.
ولا تُصدِر السيارات الكهربائية أي انبعاثات، فيما يُصدر النموذج الهجين منها انبعاثات أقلّ بكثير من المركبات التقليدية، لكن وبشكل عام، تُنتج السيارات الكهربائية خلال دورة حياتها كميّات أقلَّ من غازات الدفيئة وملوثات الهواء مقارنة بما يعادلها من البنزين أو الديزل.
وعادةً ما تكون الانبعاثات أعلى في مرحلة إنتاج السيارة الكهربائية؛ بسبب الطاقة الإضافية اللازمة لاستخراج معادن بطاريات الليثيوم-أيون ونقلها وتصنيعها، وهي نقطة سلبيّة يعمل المصنّعون على تطوير حلول لها.
ومن المتوقع أن يُصبح إنتاج السيارات الكهربائية أكثر كفاءةً، وإنتاج الكهرباء أنظفَ، بشكل يُمكّن من خفض انبعاثات دورة حياة السيارة الكهربائية النموذجية عاماً بعد عام، لتصل إلى 73% على الأقل مع حلول عام 2050.
ورغم طبيعة الوضع الحالي، فإنّ الكلفة البيئية المرتفعة للإنتاج يجري تقليصها عند استخدام الطاقة الفائقة للمركبات الكهربائية على مرور الوقت.
وعادةً ما يكون إجمالي انبعاثات غازات الدفيئة المرتبطة بتصنيع وشحن وقيادة السيارة الكهربائية على مدار عُمرها أقلَّ من إجمالي غازات الدفيئة المترتّبة عن السيارات العاملة بالبنزين.
ووفقاً لتقرير وكالة البيئة الأوروبية، كانت انبعاثات غازات الدفيئة من السيارات الكهربائية أقلّ بحوالي 17- 30% من انبعاثات سيارات البنزين والديزل.
طاقة نظيفة لسيارات بدون انبعاثات
لا تأتي انبعاثات غازات الدفيئة مباشرة من المركبات الكهربائية، إلا أنها تعمل بالكهرباء التي لا يزال جزء كبير من إنتاجها حول العالم معتمداً على الوقود الأحفوري.
ومع ذلك، نظراً إلى وجود اتجاه مشترك لدى دول العالم للاعتماد على الطاقة النظيفة، وإزالة الكربون من عمليات توليد الكهرباء لتحقيق أهدافها المناخية، فإن الانبعاثات الناتجة عن شحن المركبات الكهربائية الحالية ستنخفض بشكل كبير.
ويُتوقّع أن تنخفض الانبعاثات الناتجة عن صناعة وإنتاج المركبات الكهربائية الجديدة أيضاً، وهذا يعني أن السيّارات الكهربائية لديها القدرة على أن تكون خضراء بنسبة 100% بمجرد مغادرتها المصنع.
وتشير دراسة حديثة، قادها باحثون من جامعة إكستر وكلية لندن الجامعية، إلى أن العالم ربّما قد عبَر فعلياً "نقطة تحول" ستجعل الطاقة الشمسية مصدر طاقتنا الرئيسي.
ورجّحت الورقة البحثية المنشورة في مجلة "نيتشر كومنكيشنز" بعنوان "زخم التحول إلى الطاقة الشمسية"، أن تصبح الطاقة الشمسية الكهروضوئية مصدر الطاقة المهيمن قبل عام 2050.
ووفق الباحثين، فإن الطاقات الشمسية الكهروضوئية وطاقات الرياح تبدو جاهزة لتصبح التقنية المُهيمِنة لإنتاج الكهرباء في غضون عقد أو عقدين من الزمن، حتى من دون دعم من سياسات حكومية طموحة بخصوص المناخ.
وفي أوروبا، حيث ترتفع مبيعات السيارات الكهربائية بشكل متزايد، يتّضح أثر الاعتماد على مصادر الطاقة النظيفة في تقليل الانبعاثات الناتجة عن شحن السيارات الكهربائية.
وكانت أفضل الدول أداءً سويسرا، التي تنتج طاقتها الكهربائية بالاعتماد على الطاقة النوويّة والكهرومائية.
وقد حققت انخفاضاً في متوسط إنتاج الكربون بنسبة 100% مقارنة بالمركبات العاملة بالبنزين، وفي النرويج 98%، وفرنسا 96%، والسويد 95%، والنمسا 93%، وفقاً لدراسة نشرتها رويترز.
وأظهرت البيانات أيضاً أن قيادة سيارة كهربائية في ألمانيا، والتي تعتمد على مزيج من مصادر الطاقة المتجددة والفحم، تحقق توفيراً بنسبة 55% فيما يخصّ غازات الاحتباس الحراري.
ووفقاً لبحث آخر أجرته منظمة النقل والبيئة (T&E) الأوروبية، فإن السيّارة الكهربائية المتوسطة في الاتحاد الأوروبي أفضل بثلاث مرات تقريباً، في ما يتعلّق بانبعاثات الكربون، من سيارة كفوءة تعمل بالبنزين أو الديزل.
ويُتوقع أيضاً أن تُقلّل مبيعات السيارات الكهربائية في عام 2030 من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون أربعة أضعاف، وذلك بفضل شبكات الكهرباء في الاتحاد الأوروبي التي تعتمد بشكل متزايد على مصادر الطاقة المتجددة.