مجزرة سربرنيتسا.. حين تخلّت هولندا عن مسلمي البوسنة وارتكب الصرب الفظائع
لم تكن حرب البوسنة شاهدة على أسوأ الفظائع بحق المسلمين وحسب، بل شهدت أيضاً تخاذل القوات الهولندية في مهمة حماية المدنيين من الفظائع الجسيمة التي ارتكبها الصرب بحقهم.
مجزرة سربرنيتسا.. حين تخلّت هولندا عن مسلمي البوسنة وارتكب الصرب الفظائع (Others)

على الرغم من مرور 28 عاماً على وقوعها، لا تزال مذبحة سربرنيتسا، شاخصةً مثل فصل مظلم في تاريخ حرب البوسنة (1992-1995)، إذ تسلط الضوء على العواقب المأساوية للتقاعس الأوروبي والدولي والفظائع المدمِّرة التي ارتُكبت ضد المدنيين الأبرياء في أسوأ جريمة حرب تُرتكب على الأراضي الأوروبية منذ الحرب العالمية الثانية.

خلال الحدث المروِّع الذي وقع يوم 11 يوليو/تموز 1995، استُهدف وقُتل الآلاف من مسلمي البوسنة بشكل منهجي من القوات الصربية، فيما فشل المجتمع الدولي، وبالأخص هولندا، في منع المأساة التي رغم مرور ما يقرب من 3 عقود على حدوثها، لا يزال ذوو الضحايا يواصلون دفن رفات أقربائهم إلى اليوم.

وكما هي العادة في كل عام، سيعاد (الثلاثاء) دفن 30 من رفات ضحايا الإبادة الجماعية، الذين قُتلوا وعُثر على رفاتهم خلال أعمال البحث عن ضحايا المقابر الجماعية، في مقبرة بوتوتشاري بعد إحياء الذكرى الـ28 للمجزرة.

وفي حين أن هناك 6721 قبراً لضحايا الإبادة الجماعية في مقبرة بوتوتشاري التذكارية، فإن هذا العدد سيرتفع إلى 6751 قبراً اليوم.

خلفية تاريخية

كانت حرب البوسنة التي بدأت عام 1992 نزاعاً معقداً اندلع في أعقاب تفكك يوغوسلافيا. تضمنت الحرب مجموعات عرقية متعددة، بما في ذلك مسلمو البوسنة والكروات والصرب، الذين تنافسوا للسيطرة على الأرض والسلطة. وسط هذه الفوضى، أصبحت مدينة سربرنيتسا، الواقعة في شرق البوسنة والهرسك، نقطة محورية في حلقة مأساوية هزّت العالم.

في عام 1993، أعلنت الأمم المتحدة سربرنيتسا "منطقة آمنة" لحماية المدنيين من العنف الذي يجتاح المنطقة. تقع مسؤولية فرض هذه المنطقة الآمنة على عاتق قوة الحماية التابعة للأمم المتحدة، وعلى وجه الخصوص الكتيبة الهولندية "الخفافيش الهولندية (Dutchbat)".

في يوليو 1995، شنت القوات الصربية، بقيادة مجرم الحرب راتكو ملاديتش، هجوماً واسع النطاق ضد سربرنيتسا. لم تفشل القوات الهولندية حينها في مهامها لحماية المدنيين وصد الهجوم الصربي وحسب، بل سلمت أيضاً أكثر من 350 من البوشناق المسلمين، الذين لجؤوا إلى قاعدة الأمم المتحدة، إلى القوات الصربية، التي قتلتهم في وقت لاحق.

فُصل الرجال والصبية المسلمون البوسنيون عن عائلاتهم، واحتُجزوا في مواقع مختلفة، وأُعدموا بشكل منهجي فيما عُرفت لاحقاً باسم "مذبحة سربرنيتسا". ذبح الصرب ما لا يقل عن 8372 رجلاً وطفلاً من البوشناق في مناطق الغابات والمصانع والمستودعات، ودُفن القتلى البوسنيين في مقابر جماعية.

وتعد الإبادة الجماعية التي تعرَّض لها مسلمو البوسنة في سربرنيتسا من أسوأ الفظائع المنفردة التي شهدتها حرب البوسنة والتي قُتل فيها نحو 100 ألف شخص، وفقاً لـ"رويترز".

تخاذل هولندي

يعد فشل المجتمع الدولي في حماية ما تسمى "المنطقة الآمنة" في سربرنيتسا في يوليو 1995 بمثابة علامة سوداء في تاريخ عمليات حفظ السلام في جميع أنحاء العالم. حتى اليوم، لا يزال الكثير من الجدل يحيط بالأمم المتحدة وقوات حفظ السلام الهولندية ودورها في عدم منع قتل أكثر من 8000 رجل وصبي من البوسنيين.

في يناير/كانون الثاني 1995، وصلت قوات حفظ السلام الهولندية إلى سربرنيتسا. كانت الكتيبة التي تمركزت في مصنع قديم للبطاريات في بوتوكاري القريبة، تعاني من نقص الإمداد والتجهيزات، وكان رؤساؤها في قيادة الأمم المتحدة في سراييفو غير راغبين في منحها دعماً واسع النطاق. كما لم يُحدد تفويضها بشكل واضح، ولم يبذل المسؤولون العسكريون الهولنديون أي جهد للحصول على معلومات مفصلة حول ما كان يجري في منطقة سربرنيتسا، وفقاً لموقع "بلقان إنسايت".

أعقب سقوط سربرنيتسا في 11 يوليو 1995، لجوء نحو 25 ألف لاجئ إلى المنطقة الآمنة التي تشرف عليها الكتيبة الهولندية. في ذلك الوقت، وافقت كل من الأمم المتحدة وهولندا على ضرورة إجلاء اللاجئين وقوات حفظ السلام. لكنّ العائلات تقول إن القوة الهولندية تخاذلت في حماية المدنيين من خلال التعاون مع قوة ملاديتش عبر السماح بفصل الرجال والصبية عن الحشد خلال مهمة نقل اللاجئين إلى الحافلات، فضلاً عن تسليم أكثر من 350 من البوشناق إلى القوات الصربية، التي قتلتهم في وقت لاحق، وفقاً لما نقله موقع "NPR" الأمريكي.

عذر متأخر

سبق أن قضت المحكمة العليا الهولندية في يوليو 2019 بأن هولندا مسؤولة "جزئياً" عن وفاة 350 رجلاً وصبياً بوسنياً، وأنشأت الحكومة الهولندية لجنة خبراء وقتها لتقرير مقدار التعويضات التي ستُمنح لأقارب الضحايا. لكن في خرقٍ لحكم سابق، خفضت المحكمة المسؤولية الهولندية عن المجزرة إلى 10% من 30%.

وقالت المحكمة العليا عندما أعلنت الحكم: "تتحمل الدولة الهولندية مسؤولية محدودة للغاية في قضية (أمهات سريبنيكا )". و"أمهات سريبنيكا" مجموعة شكَّلتها العائلات والأحباء الذين يقولون إن قوات حفظ السلام الهولندية لم تفعل كل ما في وسعها لمنع ذبح الرجال والصبية المسلمين على يد القوات الصربية بقيادة راتكو ملاديتش، "جزار البوسنة"، الذي أُدين بارتكاب جرائم إبادة جماعية وجرائم حرب في عام 2017، وحُكم عليه بالحبس المؤبد.

استقالت الحكومة الهولندية بسبب الحادث في عام 2002، حيث قال رئيس الوزراء آنذاك ويم كوك، إن الحكومة بهذه الطريقة قبلت مسؤوليتها عن المجزرة ولكن ليس اللوم. لم يرَ الأقارب هذا الأمر كافياً وكانوا يضغطون من أجل تقديم اعتذار منذ سنوات.

العام الماضي، ولأول مرة منذ وقوع المجزرة في صيف 1995، قدمت الحكومة الهولندية "أعمق اعتذاراتها" عن الدور الذي لعبته قوات حفظ السلام الهولندية في الإبادة الجماعية في سربرنيتسا. متقدمةً بالاعتذار العميق لأهالي الضحايا، قالت وزيرة الدفاع الهولندية كاجسا أولونغرن، إنه كان يجب على المنظمات الدولية توفير الأمن لشعب سربرنيتسا، وإن هولندا كانت جزءاً من ذلك الفشل.

TRT عربي