في خضمّ الحياة السريعة في عصرنا الحالي أصبحت علاقة الأشخاص بالطعام مشتتة، ومن النادر تخصيص وقت محدد للوجبة، وبات من الشائع تناول الوجبات خلال وقت العمل أو حتى خلال قيادة السيارة. أما في أوقات الفراغ فعادة ما يصاحب تناول الطعام تصفح مواقع التواصل الاجتماعي أو مشاهدة التلفاز، وخلال هذا الانشغال يتناول الشخص طعامه دون وعي أو يقظة، ودون إدراك إذا كان حقاً جسمه بحاجة إلى هذا الطعام أم لا.
وفي كثير من الأحيان يكون تناول الناس للطعام لأسباب أخرى عدا الشعور بالجوع، كاتباع العادة في وقت معين مثل تناول الطعام يومياً في وقت استراحة العمل بغض النظر عن الشعور بالجوع، أو استجابة للعواطف والاندفاعات، حين بشعر الإنسان بالقلق والتوتر أو الوحدة والملل.
لذا فالوعي والتركيز بما يتناوله الشخص من طعام والأسباب وراءه تعتبر مفتاحاً هاماً لفهم أجسامنا ولتحسين حياتنا العامة.
ما الأكل الواعي ؟
الأكل الواعي أو اليقظ (MINDFUL EATING) هو تركيز الشخص وانتباهه خلال الطعام لما يتناوله من أصناف وكميات ومدى حاجة جسمه إليه، إضافة إلى انتباهه إلى الإشارات التي يرسلها العقل إلى جسمه، كالشعور بالجوع أو الشبع أو حتى الرضا والمتعة، وتقبله لتلك المشاعر والإشارات، وأن يمتد هذا الوعي إلى عملية شراء الطعام وتحضيره، حتى طريقة تقديمه.
وهذا لا يعني اتباع نمط حياة قاسٍ ولا يرتبط بمنع أصناف طعام معينة، كما لا علاقة له باتباع نظام غذائي محدد السعرات الحرارية. هو وعي بفعل تناول الطعام لاستعادة العلاقة بين الشخص وجسده.
دور الأكل الواعي في تحسين جودة الحياة
تعد مراقبة الشخص لعلاقته مع الطعام من خلال استشعار الإشارات التي يصدرها جسمه عملية أساسية لتحسين الاختيارات الغذائية ونمط الحياة، وتساعده على تحديد الأطعمة التي تشعره بشعور جيد، والكمية التي تكفيه، وهذا بدوره يؤثر بشكل واضح في السيطرة على العادات غير الصحية أو التي لا تتناسب مع احتياجات الجسم.
من ناحية أخرى فإن الأكل الواعي يساعد الشخص على إدراك مشاعره بشكل واضح، إذ يمكنه فهم هل رغبته في تناول الطعام عاطفية لأنه حزين أو قلق أو وحيد، أم لشعور جسمه بالجوع، وهذا بدوره يساعد على السيطرة على المشاعر وتفريغها بطريقة مناسبة للصحة النفسية والجسدية.
ولتناول الوجبات بيقظة دور في تحديد أوقات معينة للطعام خارج ساعات الانشغال الطويلة وروتين الحياة السريع، ما يساعد الشخص في استعادة طاقته من جديد جسدياً ونفسياً. كما يعتبر عاملاً هاماً جداً في تقدير الطعام الذي نتناوله واستشعار نكهته.
ويرى الخبراء أنه من فوائد الأكل الواعي تحسين الهضم. فالبدء تدريجياً بتناول الطعام ببطء أكبر ومضغه بشكل أفضل خلال 15-20 دقيقة مخصصة للوجبة يعمل على تعزيز وظائف الجهاز الهضمي، كما يساعد في محاربة السمنة وضبط مستويات سكر الدم. فقد وجدت دراسة نُشرت عام 2013 حول تأثير الأكل الواعي في مرضى السكري أن الأكل الواعي ساهم بشكل كبير في السيطرة على الوزن الزائد وضبط مستويات سكر الدم المرتفعة، وتقليل الاستهلاك اليومي من السعرات الحرارية.
وكشفت دراسة أخرى نُشرت في 2012 أن تطبيق الأكل الواعي جزئياً بمعدل مرتين أسبوعياً أدى إلى إنقاص الوزن وتقليل السعرات الحرارية المستهلكة، بالنسبة إلى النساء في فترة ما قبل انقطاع الطمث.
ووفقاً لجامعة هارفارد، عندما يصل الشخص إلى التطبيق الكامل للأكل الواعي تتحول عملية تناول الطعام إلى وعي وانتباه خلال جميع المراحل، وبهذا يدرك تأثير كل لقمة طعام فيه عقلياً وجسدياً وعاطفياً، ما يحسن جودة الحياة.
من يمكنه تطبيق الأكل الواعي؟
يشير الخبراء إلى أنه من الجيد أن يبدأ الشخص بالفصل بين تناول الطعام وأي مشاعر أخرى، ووفقاً لنصائح منظمة إخصائيي التغذية البريطانية BDA فإن تجنب "الأكل العاطفي" أمر هام لإنشاء علاقة صحية مع الطعام.
قد يعتقد الشخص أن تطبيق الأكل اليقظ صعب بسبب نمط الحياة السريع والانشغالات اليومية التي تؤثر في النظام الغذائي، لكن يمكن للجميع تطبيق مبدأ الأكل الواعي ولو بنسب متفاوتة. فبدايةً يمكن لكل شخص أن يتناول طعامه ويمضغه ببطء مدركاً الكمية التي يستهلكها، وتدريجياً يبدأ بتحديد شعوره بالجوع والشبع بشكل صحيح.
والأهم، وفق ما يرى عديد من المتخصصين، هو أن يدرك الشخص أهمية فصل وقت الطعام عن أي ملهيات أخرى، وتخصيص وقت معين لتناول الوجبات اليومية بعيداً عن التلفاز والهاتف، حتى بعيداً عن التحدث في العمل أو في مشكلات الحياة.