وأدت موجات الحر الشديدة إلى إغلاق المدارس، بخاصة في الآونة الأخيرة في معظم أنحاء العالم لعدة أيام، وأحياناً لأسابيع في كل مرة، ما يشكّل تهديداً مباشراً لتعليم الأطفال. ووفقاً لتقرير لليونيسف نُشر الأسبوع الماضي بعنوان "تهديد للتقدم"، يعيش ما يقرب من نصف مليار طفل في مناطق تتعرض على الأقل لضعف عدد الأيام شديدة الحرارة التي عايشها أجدادهم، بالإضافة إلى افتقار كثير منهم إلى البنية التحتية أو الخدمات اللازمة لتحملها.
وفقاً لتقرير اليونيسف يعيش اليوم 466 مليون طفل في جميع أنحاء العالم في مناطق تشهد على الأقلّ ضعف عدد الأيام شديدة الحرارة، بمعدل طفل من كل خمسة حول العالم، مقارنة بأجدادهم، إذ إن أكثر من نصف الأطفال في 100 دولة، يعانون ضعف موجات الحر التي كان يعانيها أمثالهم قبل 60 عاماً. كذلك وجد التقرير أن الأطفال في 16 دولة يشهدون سنوياً أكثر من شهر من الأيام شديدة الحرارة مقارنة بستينيات القرن الماضي.
وعلى سبيل المثال أظهر التقرير أن الأطفال في جنوب السودان يعيشون متوسطاً سنوياً 165 يوماً شديد الحرارة خلال هذا العقد، مقابل 110 أيام في ستينيات القرن الماضي، فيما قفز الرقم في باراغواي إلى 71 يوماً من 36 يوماً خلال نفس الفترة. كما توجد 8 دول، منها مالي والنيجر والسنغال وجنوب السودان والسودان، تضمّ أطفالاً يقضون أكثر من نصف العام في درجات حرارة تزيد على 35 درجة. أما في الولايات المتحدة فيتعرض 36 مليون طفل لموجات حر مضاعفة عما كانوا يتعرضون له قبل 60 عاماً، فيما يتعرض 5.7 مليون طفل لأربعة أضعاف.
تأثير التغير المناخي في تعليم الأطفال
ومن المتوقع أن يشعر الأطفال في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل بـ"التأثيرات الأكثر خطورة" للتغير المناخي، وهي المناطق الأقل مسؤولية عن انبعاثات الغازات المسببة لتغير المناخ"، وذلك بحسب التقرير الذي أشار إلى أن باكستان أغلقت نصف مدارسها لأسبوع كامل في مايو/أيار الماضي، بسبب ارتفاع درجات الحرارة، أي إن 26 مليون طفل لم يتمكنوا من متابعة تعليمهم لمدة أسبوع.
كما أغلقت بنغلاديش المدارس لنصف طلابها خلال موجة الحر في أبريل/نيسان من العام الجاري، ما أثر في 33 مليون طفل، ومثلها جنوب السودان في نفس الشهر. كذلك أمرت الفلبين بإغلاق المدارس لمدة يومين في تلك الفترة، عندما وصلت الحرارة إلى ما وصفته إدارة الأرصاد الجوية في البلاد بمستويات "الخطر".
ويلفت التقرير إلى أن الفجوة بين الأجيال أكثر وضوحاً في بعض أفقر بلدان العالم، فعلى سبيل المثال من المتوقع أن يتعرض ما يقرب من 40% من الأطفال في بنين و66% من الأطفال في ساحل العاج لأيام شديدة الحرارة في حياتهم أكثر بمرتين من الأيام التي عايشها أجدادهم. وينطبق هذا أيضاً على طفلين من كل ثلاثة أطفال في فلسطين، ونحو نصف الأطفال في هندوراس.
ويشعر بعض البلدان الغنية بتلك الفجوة أيضاً، إذ تشير التقديرات إلى أن 85% من الأطفال في فرنسا و76% في اليونان سوف يعانون ضعف عدد أيام الحر الشديد مقارنة بأجدادهم في ستينيات القرن العشرين.
ولا بيانات عالمية شاملة عن أيام إغلاق المدارس نتيجة الطقس المتطرف، إذ غالباً ما تُتخذ القرارات محلياً وبسرعة، استناداً إلى توقعات الطقس. ولكن بناء على تقارير إعلامية، قدّر مكتب الأمين العام للأمم المتحدة مؤخراً أن ما لا يقل عن 80 مليون طفل كانوا خارج المدارس حول العالم في عام 2024 نتيجة درجات الحرارة المرتفعة.
وحتى إذا كانت المدارس مفتوحة، فإن موجات الحر تؤدي إلى زيادة صعوبة التعلم، فوفقاً لما نقلته نيويورك تايمز عن بعض الأبحاث، فدرجات الحرارة شديدة الارتفاع، بخاصة على مدة عدة ساعات متواصلة، تؤثر في نتائج التعلم بما في ذلك درجات الاختبارات، وقد حذرت المسؤولة في اليونيسف ليلي كابراني، في مقابلتها مع الصحيفة قائلة: "نحن نشعر بقلق عميق من أن عدد أيام الحر الشديد من شأنه أن يؤدي بشكل غير مباشر إلى فقدان التعلم".
كما أن التعرض لدرجات حرارة مرتفعة قد يؤثر في نمو المخ ويعوق التعلم، ووفقاً لتقييم شمل 58 دولة، ورد في تقرير اليونيسف، فإن كل يوم إضافي زادت فيه درجات الحرارة على 27 درجة، خلال 3 سنوات سابقة لاختبارات مدرسية، يؤدي إلى انخفاض الدرجات بنسبة 0.18%، إذ يستشعر المخ الحرارة الشديدة باعتبارها تهديداً لسلامة الجسم، فيحفز بذلك نظام الاستجابة للتوتر.
ووفقاً للتقرير فإن درجات الحرارة المرتفعة ليست المسؤولة الوحيدة عن تهديد تعليم الأطفال، فهناك ظواهر مناخية أخرى منها الفيضانات، إذ أحدثت دماراً كبيراً في المدارس أيضاً، وعلى سبيل المثال أدت الفيضانات المميتة التي تفاقمت بسبب تغير المناخ في البرازيل، إلى إغلاق المدارس لأسابيع، ما أثر في عشرات آلاف الطلاب. وفي الهند أيضاً أُغلقت المدارس لعدة أيام في عدة أجزاء من البلاد في يوليو/تموز وأغسطس/آب.
ووجد تقرير سابق، استند إلى نماذج المناخ، نشرته منظمة "أنقذوا الأطفال"، أنه في المتوسط، من المتوقع أن يشهد الطفل المولود في عام 2020 ما يقرب من ثلاثة أضعاف عدد فيضانات الأنهار ومرتين عدد حرائق الغابات على مدار حياته، مقارنة بشخص ولد في عام 1960.
هل يمكن التعامل مع الأزمة؟
يقول العلماء إن الطريقة الوحيدة لمعالجة ارتفاع درجات الحرارة العالمية هي الابتعاد عن إحراق الوقود الأحفوري، وهو المحرك الأساسي للاحتباس الحراري العالمي. بالإضافة إلى ذلك فالمدارس بحاجة إلى معرفة كيفية التعامل مع ارتفاع درجات الحرارة بدلاً من إغلاقها أمام الطلاب، إذ يجب ترميم مباني المدارس بما يقاوم ارتفاع درجات الحرارة داخل الفصول الدراسية بشكل أكثر فاعلية، مع عزل أفضل وطلاء عاكس أبيض أو نباتات خضراء على الأسطح وأشجار الظل على محيط المدرسة.
كذلك وضع التكييفات داخل الفصول الدراسية قد يخفف المشكلة، رغم أن تكييف الهواء من الكماليات التي لا يستطيع أغلب المدارس الوصول إليها، وحتى الولايات المتحدة، يحتاج نحو نصف المناطق التعليمية إلى تركيب أو إصلاح أنظمة تكييف الهواء بها، وفقاً لمكتب المحاسبة الحكومي الأمريكي.