كارثة تهدد البيئة.. كيف يمكن مواجهة النفايات البلاستيكية؟
يُنتج حاليّاً أكثر من 460 مليون طن سنويّاً من البلاستيك، ونحو 95% منه عبارة عن بلاستيك أوليّ، في حين لا يُنتج إلّا 5% فقط من البلاستيك الذي يُعاد تدويره بسبب تكاليفه وصعوبة إنتاجه.
Japan Plastic Woes / صورة: AP (AP)

يطرح الفرد في دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أكثر من 6 كيلوغرامات من النفايات البلاستيكية سنويّاً، حسبما تؤكد دراسة حديثة للبنك الدولي، كما أشارت أرقام للأمم المتحدة إلى أن هذا النوع من التلوث يكلّف البلدان العربية سنويّاً نحو 0.8% من ناتجها المحلي الإجمالي.

ويقع معظم هذه البلدان في منطقة تعد الأكثر تلوثاً بنفايات البلاستيك عالميّاً، وهي منطقة البحر الأبيض المتوسط التي تحصل سنويّاً على حصة الأسد من مجمل ما يرميه الإنسان في البحار والغابات.

كارثة النفايات البلاستيكية

وتشير الأرقام إلى أنه في كل سنة يُرمى عالميّاً أكثر من 20 مليون طن من البلاستيك، بما يعادل نحو 1770 حمولة شاحنة يوميّاً.

وهذه الأرقام مرشحة للارتفاع إذا لم تُطرح سياسات واقعية وحلول منطقية للأمر، ولعل أكثرها نجاعة هو ما يفكر فيه بعض الخبراء البيئيون، بحيث يجري وقف إنتاج البلاستيك، وهو أحد مشتقات النفط، الذي يُعدّ في حدّ ذاته أحد أنواع الوقود الأحفوري المسؤولة عن أزمة المُناخ.

يلوّث البلاستيك كل ركن من كوكب الأرض، وقد شقَّ طريقه إلى القطب الشمالي وأعماق المحيطات وأقصى حدود الغابات البعيدة.

لقد وصل إلى مناطق لا تخطر على البال ولا يعرف أحد كم من الوقت سيستغرق البلاستيك المُشتقّ من النفط ليتحلّل (إذا كان قابلاً للتحلّل في الأساس)، لكن الجميع يعلم أن تسربه إلى الطبيعة كفيلاً بأن يجعل منه مادة من الصعب جدّاً التخلّص منها بسهولة.

وفي العالم العربي، بدأت قبل بضع سنين مبادراتٌ لفرض حظر على استيراد الأكياس البلاستيكية وتصنيعها وتداولها، لكن تفاوتاً في التطبيق قد حدث.

ففي المغرب مثلاً، فُرض قبل بضع سنوات حظرٌ على استخدام الأكياس البلاستيكية، مع توفير بدائل من أكياس مصنوعة من مواد ورقية، لكن هذا الحظر ظلَّ غير كافٍ وغيرَ صارم.

أرقام مخيفة

في عام 1950، كان الإنتاج العالمي من البلاستيك بالكاد يبلغ مليونَي طن، لكن بعد ثلاثة عقود، وتحديداً عام 1980، تضاعف حجم هذا الإنتاج نحو 40 مرّة، ليصل إلى 75 مليون طن.

ويُنتج حاليّاً أكثر من 460 مليون طن سنويّاً من البلاستيك، ونحو 95% منه عبارة عن بلاستيك أوليّ، في حين لا يُنتج إلّا 5% فقط من البلاستيك الذي يُعاد تدويره بسبب تكاليفه وصعوبة إنتاجه، وكل هذا لا ينعكس بشكل جيد في سعره.. باختصار، تعدّ هذه الأيام عصر البلاستيك المتجدد.

كل هذه البيانات تأتي من تقارير مختلفة أعدّتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، التي يحذر خبراؤها من سيناريو سلبي إذا لم تتغير السياسات، ففي عام 2040 سيصل إنتاج البلاستيك إلى 765 مليون طن عالميّاً، ولن يُعاد تدوير إلا بنسبة 9%، وفي عام 2060 ستصل كمية الإنتاج إلى أكثر من 1.2 مليار طن، منها 11.6% فقط من البلاستيك المُعاد تدويره.

وتمثل العناصر البلاستيكية التي تُستخدم لمرة واحدة، بما في ذلك الأكواب البلاستيكية وزجاجات المياه وأغلفة المواد الغذائية، نحو 89% من النفايات البلاستيكية في قاع المحيطات، وفق تقرير حديث للأمم المتحدة.

وسينتهي الأمر بنحو 12 مليار طن من النفايات البلاستيكية في مدافن النفايات والبيئة بحلول عام 2050، إذا استمرت أنماط الاستهلاك الحالية وممارسات إدارة النفايات البلاستيكية على حالها.

هل يمكن التوصل إلى معاهدة حقيقية؟

يقول الخبير البيئي مانويل بلانيليس، إن الأمر أكبر من أن تتحرك دولة وحدها، لأن قضية هذه النفايات تتجاوز الحدود، كما الحال مع أغلب المشكلات البيئية، وذلك لأنه مثلما تنتقل النفايات من دولة إلى أخرى (عادة من دولة غنية إلى أخرى فقيرة)، فإن البلاستيك ينتقل عبر الأنهار لتلويث المحيطات وحتى الهواء.

في عام 1992، وقّعت عشرات الدول اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المُناخي، ومنها انبثقت في عام 2015 اتفاقية باريس التي تحكم الجهود المبذولة للقضاء على انبعاثات الغازات الدفيئة التي أوصلت الأرض إلى الوضع الاستثنائي الحالي.

وبهذا المعنى، فإن عام 2024 ينبغي أن يكون معادلاً لعام 2015، لكنه يركز على التلوث البلاستيكي، إذ قرّرت الدول الممثلة في الأمم المتحدة أنه بحلول نهاية هذا العام يجب أن يكون لدى العالم أول معاهدة لوقف هذا النوع من التلوث.

وقد بدأت عملية إعداد هذه المعاهدة عام 2022، واستمرت بوتيرة جيدة حتى أواخر عام 2023، لكن الاجتماع الأخير الذي عُقد بنيروبي في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، أيقظ كثيرين من حلم التوصل إلى معاهدة سريعة، لأنه كما توضح المصادر الدبلوماسية التي تراقب العملية، فإن الدول الأكثر تردداً في معالجة المشكلة بشكل كامل وذات المصالح الخاصة (بقيادة منتجي النفط) تعمل على إبطاء المفاوضات.

وبهذا المعنى، يبدو الآن أن الموافقة على المعاهدة بحلول نهاية عام 2024 أكثر تعقيداً، وبالإضافة إلى ذلك، تتزايد المخاوف من تكرار بعض الأخطاء التي ارتُكبت في اتفاق باريس 2015.

معاهدة مستقبلية

ووفق بيانات حديثة صادرة عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فإن من بين 360 مليون طن من النفايات البلاستيكية المتولدة عام 2020، جرت إعادة تدوير 9.4% فقط، وأُحرقت نسبة 18.6% أخرى، وانتهى الأمر بـ50% منها في مدافن النفايات.

لكن نسبة 22.5% من نفايات البلاستيك، أي 81 مليون طن، لم تجرِ إعادة تدويرها بشكل جيد وانتهى بها الأمر إلى تلويث البيئة.

ويصر الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن عدد كبير من دول أمريكا اللاتينية وإفريقيا، على أن المعاهدة المستقبلية التي يجري التفاوض عليها في الأمم المتحدة يجب أن تغطي بالفعل دورة حياة المواد البلاستيكية بأكملها، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى فرض قيود على الإنتاج من المنتج الأصلي.

لكن مجموعة أخرى من الدول تحاول جعل هذه المعاهدة لا تأخذ في الاعتبار إلا التدابير المتعلقة بالتلوث، أي كيفية تدبير مآل النفايات بدل إعادة النظر في إنتاج البلاستيك. وتضم هذه المجموعة، حسب مصادر دبلوماسية، دولاً مثل السعودية والصين وروسيا وإيران ومصر.

والأمر يشبه ما حدث مع اتفاقية باريس، التي تلمح أهدافها إلى الغازات الدفيئة، لكنها لا تتحدث بشكل مباشر عن خفض إنتاج النفط والغاز والفحم، أي الوقود الأحفوري، المسؤول بشكل أساسي عن هذه الانبعاثات.

كما أن اتفاقية باريس حددت أيضاً هدفاً مشتركاً، ثم تقدم الدول بعد ذلك خططاً مُناخية تقرر فيها كل دولة هدفها الخاص بخفض الانبعاثات، وهذا النموذج هو الذي تفكر فيه أيضاً الدول الأقل طموحاً (الولايات المتحدة) في اتفاقية البلاستيك الافتراضية.

ومع ذلك، تريد الدول الأكثر التزاماً أن تتضمن المعاهدة تدابير محددة ضد بعض المواد البلاستيكية والمواد الكيميائية، التي تكون ملزمة لجميع الموقعين عليها.

TRT عربي