عرَف الإنسان منذ القدم تقنية التخليل لحفظ الأطعمة، وخاصةً الخضراوات، إذ ينتشر في وقتنا عديدٌ من الخضراوات الشهيرة التي تُؤكل كمخلّلات، وعادةً ما تُحفظ كمؤن في محلول ملحي، وتشترك المطابخ حول العالم في استهلاك المخلّلات كمقبلات جانبية.
وللخضراوات المخلّلة فوائد عديدة ما إن كانت جزءاً من نظام غذائي صحي متوازن، ورغم ذلك فإنّ المبالغة في استهلاكها قد يكون له آثار جانبية في الصحة، وفي هذا التقرير نبيّن لك فوائد المخلّلات ومحاذيرها.
هضم أفضل و"أمعاء سعيدة"
من المعروف أنّ المَعِدة تحتوي على ملايين البكتيريا النافعة التي تساعد الجسم على هضم الطعام وامتصاصه، وهنا تظهر بوضوح الفائدة الأكبر لتناول المخلّلات، وهي دعم نموّ هذه البكتيريا الصحية في الأمعاء، ما يجعل المخلّلات تعمل مثل "البروبيوتيك" إذ تساهم البكتيريا الناتجة عن تخمّر المحلول الملحي المخلوط بالحامض المستخدم في صنع المخلّلات في منع عدوى الخميرة.
وتساعد في حالات الإسهال والإمساك، كما من الممكن أن تساهم في علاج مشاكل صحة المَعِدة المزمنة، مثل "داء كرون".
ولكن لا بدّ من الإشارة إلى وجود أبحاث تشير إلى أنّ الأطعمة المخلّلة المالحة للغاية قد تعرضك إلى خطر أكبر للإصابة بسرطان المَعِدة، ومشاكل مرتبطة بالكُلى والكبد، وهنا تتعالى أصوات اختصاصيي التغذية للتنبيه على استهلاك معتدل للمخلّلات بصورة عامة.
علاقة المخلّلات بسكر الدّم
ويعتبر مخلّل الخِيار من الخَيارات الجيّدة بشكل عام لاحتوائه على أقل من 2 غرام من الكربوهيدرات لكل 100 غرام، ما يساعد على منع ارتفاع نسبة السكر في الدم بعد تناول الطعام، وذلك وفقاً لمراجعة منهجية تمتّ لعديد من الدراسات التي أشارت إلى أنّ استهلاك الخل المصاحب للمخلّل يساعد على خفض مستويات السكر التراكمي (HbA1c) في الدم لدى مرضى السكري النوع الثاني.
وفي دراسة أخرى، وجد الباحثون نتائج مشابهة لدى مجموعة من البالغين الأصحاء المعرّضين للإصابة بمرض السكري، إذ لاحظوا تسجيل أرقام أفضل لمستويات سكر الصيام لديهم خلال الدراسة التي استمرت 12 أسبوعاً.
ومع ذلك، فإن للمخلّلات جانباً سلبياً، فمستويات الصوديوم فيها مرتفعة جداً، إذ تتجاوز 800 مغم لكلّ 100غم، وتكمن الخطورة هنا أنّ مرضى السكري معرضون بطبيعة الحال إلى خطر الإصابة بأمراض القلب وارتفاع ضغط الدم، ما يحتّم عليهم تناول المخلّلات باعتدال لتجنّب زيادة الصوديوم في نظامهم الغذائي، إذ إن الحصة اليومية الموصى بها للصوديوم يجب ألاّ تتجاوز 2300 مغم في اليوم.
المخلّلات وإنقاص الوزن
ويعدُّ مخلّل الخِيار بالتحديد الشكل الأكثر شهرة بين المخلّلات، وفي الحقيقة إنّه يعد طعاماً منخفض السعرات الحرارية بسبب محتواه العالي من الماء، واحتوائه على كمية جيدة من الألياف، ما يساعد على الشعور بالامتلاء لفترة أطول.
ومن جانب آخر فإنّ الخل الموجود في المخلّلات قد يساهم في خفض الشهية وإبطاء معدل امتصاص الكربوهيدرات في الجسم، كما يمكن للخل المساهمة في تقليل الارتفاع والانخفاض الحادّين للأنسولين في الجسم والمسبّب للشعور بالجوع عن طريق الحفاظ على مستويات طاقة مستقرة في الجسم.
فوائد أخرى
وعلى غرار جميع الفواكه والخضراوات، تحتوي المخلّلات على فيتامينات مهمة مثل فيتامين "ك" وفيتامين "أ"، إلى جانب نسبة جيدة من الألياف، وكذلك مضادات الأكسدة، والتي تلعب دوراً بارزاً في التصدّي لآثار "الجذور الحرة" (Free Radicals)، والتي هي عبارة عن مواد كيميائية تنتج عن عمليات الأيض في الجسم (تحويل الغذاء إلى طاقة) وتمهّد الطريق للإصابة بعديد من الأمراض مثل الالتهابات المختلفة، وأمراض القلب والأمراض المزمنة، والسرطانات، وأمراض الشيخوخة، وغيرها.
وعلى صعيد آخر لاحظ مجموعة من الباحثين في قسم الصحة والتغذية وعلوم التمرين في جامعة ولاية داكوتا الشمالية الأمريكية، تخلّص أفراد مجموعة دراسة قاموا بها من تشنّجات العضلات في غضون 1- 2 دقيقة بعد شرب قرابة 45 مل من عصير المخلّل لكل 45 كغم من وزن الجسم، وذلك بصورة أسرع بنسبة تصل إلى 45% مقارنةً بأولئك الذين لم يشربوا أي سائل.
واقترح الباحثون أنّ من الممكن للخل الموجود في المخلّل التسبّب برد فعل عصبي في منطقة البلعوم الفموي، تسهم في منع حدوث إشارة مسؤولة عن بدء نشاط الخلايا العصبية الحركية المسبّبة لتشنّج العضلات.
ورغم ذلك، أكدّ الباحثون أنّ هذه الملاحظات لا تقدّم دليلاً تجريبياً قاطعاً على أنّ شرب عصير المخلّل قد يساعد على إرخاء العضلات الهيكلية، وما زال هذا المجال بحاجة إلى المزيد من الأبحاث.
عملية التخمير
ومن المهم الإشارة إلى أنه للحصول على كامل الفوائد الخاصة بالمخلّلات فلا بدّ من الانتباه إلى المخلّلات إن كانت مرّت بعملية تخمير في أثناء صنعها أم لا، وخصوصاً فيما يتعلق بالفوائد العائدة على الجهاز الهضمي.
والتخمير هو إحدى طرق التخليل، ولكن في الواقع لا تتخمَّر جميع المخلّلات، وبصورة عامة عندما تتخمَّر الخضراوات في أثناء عملية التخليل، فإنّ البكتيريا الصحية تقوم بتكسير السكريات الطبيعية، ما يعطي المخلّلات المخمرة مذاقها الحامض، وهذا هو السبب على سبيل المثال وراء استطاعة بعض الأشخاص الذين لا يتحملون اللاكتوز تناول الزبادي لاحتوائه على هذه البكتيريا النافعة، وهذه البكتيريا نفسها موجودة في الخل الناتج عن عملية تخمير المخلّلات حصراً.
وعندما لا تتخمَّر المخلّلات، كما هو الحال في معظم منتجات المخلّلات الموجودة على رُفوف محال البقالة، فإنّ الطريقة المعتمدة للحصول على منتج تجاري ترتكز على إضافة محلول ملحي للخضراوات يحتوي على خل جاهز وغيره من المنكهات لإعطاء المخلّل الطعم الحامض والشهي، عوضاً عن السماح لحدوث عملية التخمير بصورة طبيعية، وهذا ما يفقد المخلّلات بعضاً من فوائدها.
ومن الجيّد في هذه الحالات قراءة ملصق المنتج للتأكد من وجود ما يشير إلى كونه مخمّراً بشكل طبيعي، ومن العلامات البسيطة التي قد تساعد أيضاً وجود فقاعات على السطح عند فتح العبوة التي تشير إلى وجود بكتيريا حيّة.
ومن الأفضل بالطبع صنع المخلّل في المنزل للتأكد من حصول عملية التخمير بشكل طبيعي والتحكّم بكمية الصوديوم المضافة، ولا بدّ من استشارة مقدّم الرعاية الصحية أو اختصاصي التغذية لأي حالات خاصة قد تستلزم عدم تناول المخلّلات على الإطلاق.