يختلف قدوم شهر رمضان هذا العام على الشعوب العربية عن الأعوام السابقة، فإضافةً إلى الحزن المسيطر على المواطن العربي تجاه ما يعانيه سكان قطاع غزة، يعاني هذا المواطن نفسه داخل بلاده أزمات عدّة.
وإلى جانب الانتهاكات التي تحدث للفلسطينيين، هناك الجوع الذي يهدّد الملايين في السودان واليمن، والأسعار المرتفعة التي يعانيها المصريون، والفقر الذي يجتاح مدناً عدّة في سوريا، والرواتب المتأخرة في ليبيا.
حرب وقصف
بعدما تبدّد أمل توقيع هدنة في شهر رمضان، يعيش سكان قطاع غزة أيام شهر الصوم بين خطر قصف الاحتلال الإسرائيلي والجوع، فقبل وقت قليل من انطلاق أذان فجر أول أيام شهر الصوم، أفادت مصادر إعلامية فلسطينية استشهاد وإصابة عدد من المدنيين في غارة نفذتها طائرات حربية للاحتلال الإسرائيلي على منزل شرق رفح جنوبي القطاع.
ولم تكن هذه الحادثة الوحيدة التي رصدت خلال ليلة أول أيام رمضان، فقد استهدفت طائرات جيش الاحتلال الإسرائيلي مخيم النصيرات في وسط قطاع غزة.
ويروي المصور الصحفي عطية درويش لـTRT عربي أن القصف كان متزامناً أيضاً مع الإفطار في أول وثاني أيام رمضان، ورغم ذلك استطاع مع والدته إعداد طبق مقلوبة على الطريقة الفلسطينية على الإفطار، وهو طبق مُكلف ولم يتناوله منذ فترة، إلا أنهما تمكنا من تدبير مكوناته وتناولاه.
أما عن المصلين الذين توجهوا للصلاة في المسجد الأقصى، ففوجئوا بالمستوطنين في باحة المسجد، فقد دخل ما يقرب من 300 مستوطن من جهة باب المغاربة، وأظهروا جولات استفزازية، وأدّوا طقوساً تلمودية في باحاته، وخصوصاً في المنطقة الشرقية، وشدّدت شرطة الاحتلال إجراءاتها العسكرية في محيط المسجد.
ومع أول أيام شهر رمضان في السودان، شهد بعض أحياء العاصمة الخرطوم قصفاً، رغم الدعوات إلى إقرار هدنة خلال أيام الشهر الفضيل.
وتشير التقارير الأممية إلى وضع كارثي يعيشه السودانيون، فلا تزال أعداد النازحين في التزايد منذ 15 أبريل/نيسان العام الماضي، إذ فرّ أكثر من 8 ملايين شخص من منازلهم، منهم 6.3 مليون نازح داخل السودان و1.8 نازح فرّوا إلى الخارج.
أسواق خاوية
وفي ما تبقى من أسواق غزة التي دُمّر أغلبها، حاول بعض الباعة عرض ما بقي من سلعهم المخزنة من العام الماضي، في محاولة لخلق أجواء احتفالية بشهر رمضان، ورغم أن المعروض قليل، كذلك الإقبال على الشراء ضعيف بسبب ارتفاع الأسعار وانتقال الأسر من مكان إلى آخر، ما يجعلهم يشعرون بالتشتت وعدم الاستقرار.
من ناحية أخرى، فإن أسعار الحبوب الأساسية في السودان بارتفاع وخصوصاً مع تراجع الحصاد في ولايتي كردفان ودارفور، ما يعني اعتماد مزيد من الأسر بعد ذلك بشكل أكبر على المساعدات الإنسانية لاستهلاكهم الغذائي، ومع التوقعات بانخفاض الحصاد من المرجح أن تظل أسعار المواد الغذائية الأساسية مرتفعة على نحو غير معتاد.
وعلى الرغم من تلك الأوضاع واختفاء أسواق شعبية بأكملها في مدن السودان وقراه، إلا أن بعض العائلات السودانية تحاول تجميع بعض السلع مثل الدقيق والسكر لتدبير مائدة مناسبة يجتمعون عليها في الإفطار، ليتذوقوا فرحة شهر رمضان مثل كل عام.
أما عن سوريا، فعدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية وصل إلى أعلى مستوياته منذ اندلاع الحرب، إذ يحتاج 3 من كل 4 أشخاص للإغاثة، ويعاني أكثر من نصف السكان الجوع، حسب تقارير الأمم المتحدة.
من ناحية أخرى فإن قرب سوريا جغرافياً من فلسطين، يعرّضها لبعض انتهاكات جيش الاحتلال الإسرائيلي، إلا أن أسواق دمشق القديمة -أو ما تبقى منها- تحاول أن تستقبل رمضان بمصفوفات السلع المتوافرة قدر الإمكان في شوارع السوق القديم.
ويقول الباحث السوري خالد التركاوي إن السوريين يعيشون شهر رمضان في نزوح سواء داخل سوريا أم خارجها، ما يجعلهم لا يعيشون أجواء الشهر الكريم.
ويضيف التركاوي لـTRT عربي أن السوريين أصبحوا يفتقدون إلى التكافل الاجتماعي ودعم الأفراد لبعضهم بعضاً بسبب الظروف الاقتصادية، إلى جانب التضخم وتراجع الليرة السورية أمام الدولار في ظل رواتب ضعيفة من الحكومة أو القطاع الخاص.
ويوضح أن الأسواق في سوريا سابقاً كانت في الأصل متخصّصة، إذ كان هناك سوق للحلويات وآخر للملابس وآخر للنحاس وما إلى ذلك، مشيراً إلى أن "السوق المختلط الآن الذي لم يعتده المواطن، جعله لا يعرف أين يتسوّق، كما قلّل الإقبال عند التاجر".
أسعار مرتفعة
قبل أيام من استقبال شهر رمضان أعلن البنك المركزي المصري تعويم الجنيه، ما رفع سعر صرف الدولار في السوق الرسمية إلى نحو 49.5 جنيه، كما رفع سعر الفائدة بنسبة 6%، وهي أكبر زيادة في جلسة واحدة منذ بداية شح النقد الأجنبي في فبراير/شباط 2022.
وبعدها بأيام أعلن جهاز التعبئة العامة والإحصاء ارتفاع معدل التضخم السنوي خلال فبراير/شباط الماضي إلى 36%، مقابل 31.2% في يناير/كانون الثاني الماضي، وأرجع البيان ارتفاع التضخم بسبب ارتفاع أسعار مجموعة اللحوم والدواجن بنسبة 25% والخبز والحبوب بنسبة 14%.
وفي الأسواق تراجع شراء "ياميش رمضان" وهو من طقوس هذا الشهر، ويقول التجار إن الإقبال ضعيف، كما أن البعض يُقلّل من الكميات التي اعتاد شراءها كل عام، لأن توفير السلع الرئيسية مثل السكر والأرز والبروتين أهم من المكسرات والفواكه المجففة.
ويرجع أستاذ الاقتصاد والتمويل الدولي رشاد عبده سبب ارتفاع الأسعار المستمر، رغم أن التعويم كان قبل رمضان، وكذلك الدولار متوافر للتجار في البنوك إلى "أن السلع التي في الأسواق استوردت وقت كان الدولار بـ72 جنيهاً، وأن دورة الاستيراد تقتضي 3 أشهر، ما يعني أن تأثير توفير الدولار لم يحدث بعد في الأسواق".
ويلفت عبده في حديثه مع TRT عربي إلى أنه رغم الأسعار المرتفعة والأخبار المحزنة التي تأتيهم من قطاع غزة، حاول المصريون الاحتفال برمضان، ولو بقدر بسيط من الطقوس، بدءاً من احتفال دار الإفتاء المصرية باستطلاع هلال رمضان وثبوت رؤيته، والذي يُبث كل عام على التلفزيون.
كوارث طبيعية ورواتب متأخرة
في 10 سبتمبر/أيلول 2023 ضربت العاصفة الضخمة "دانيال" شرق ليبيا، وأثرت بشكل كبير في معالم مدينة درنة، ونتج عنها مقتل ونزوح آلاف الأشخاص، وكان السبب المباشر لسقوط كثير من الضحايا وأغلبية الأضرار هو فيضان المياه بعد انهيار سدَّيْن.
هذا التشتت الذي حدث عقب "دانيال" وعدم الاستقرار السياسي، يخلق جواً فقيراً من الموارد واشتباكات مسلحة كل بضعة أيام، ما يعني أن شهر رمضان هذا العام حلّ على ليبيا بموارد قليلة وأسعار مرتفعة وطلقات نارية غير متوقعة.
وشهدت الأسواق في ليبيا بعض الإقبال، على الرغم من تأخر صرف المرتبات للموظفين والعاملين، وأيضاً ارتفاع أسعار اللحوم والزيوت والتمور، لكن يحاول الليبيون الاحتفال بشهر رمضان وفقاً لعاداتهم في إعداد مائدة للأسرة كلها لتلتف حولها.
أما اليمن الذي طالما كان من أكثر البلدان ندرة بالمياه في العالم وله تاريخ طويل من ندرة الغذاء كذلك، تفاقمت هذه الأزمات بسبب الحرب التي شهدتها البلاد منذ نحو 10 أعوام.
وفي نهاية 2022، أفادت وكالات الأمم المتحدة أن 17.8 مليون شخص في اليمن -أي أكثر من نصف سكان البلاد- يفتقرون إلى مياه الشرب المأمونة وخدمات الصرف الصحي والنظافة، وعانى 17 مليوناً منهم انعدام الأمن الغذائي، منهم 6.1 مليون شخص يواجهون مستويات "طارئة".
وكذلك استقبل اليمنيون رمضان برواتب متأخرة أو منقطعة وبطالة متزايدة وعدم استقرار، واعتمادهم على معونات لا تصل إلى أنحاء البلاد كافة، وأزمات اقتصادية ما أدى إلى انهيار العملة المحلية وتزايد الأسعار.