تولى تورغوت أوزال رئاسة الحكومة التركية إبان فترة حكم العسكر للبلاد بعد انقلاب 1980 بقيادة كنعان إيفرين، وعلى الرغم من ذلك نجح أوزال في إنعاش الاقتصاد التركي من خلال فتحه على السوق الحرة وتشجيعه التصنيع والتصدير.
كما حفز المصنعين الأتراك على منافسة نظرائهم العالميين. ونجح في توجيه الاقتصاد نحو الخصخصة، مما ساعد على نقل تركيا من دولة غير صناعية فقيرة إلى قوة اقتصادية مهمة في العالم. وتقطف تركيا حالياً ثمار ما زرعه أوزال في البرامج المحلية للصناعات الدفاعية العسكرية.
وألحق بإصلاحاته الاقتصادية أخرى حقوقية من خلال محاولة حل المشكلة الرئيسية التي عانت منها تركيا في تلك الفترة وهي المشكلة الكردية، إذ سعى جاهداً لحلها سلمياً عوضاً عن المواجهة العسكرية. وعزّز أوزال حرية الصحافة، إذ أسّس خلال فترة حكمه العديد من الصحف وقنوات التلفزة من مختلف التوجهات سواء العلمانية والإسلامية، بالإضافة إلى نجاح مساعيه من أجل تحسين علاقات تركيا بالدول الغربية خصوصاً الولايات المتحدة الأمريكية.
ويخيّم الغموض على حادثة وفاة الرئيس التركي تورغوت أوزال، إذ ترفض عائلته ومحبوه فرضية أنه توُفّي إثر تعرُّضه لسكتة قلبية، ويعتقدون أنه قُتل مسموماً. وبعد مطالبتهم لأكثر من عقدين بإجراء تشريح لجثمانه للوقوف على أسباب الوفاة الحقيقية، جرى استخراج جثمانه عام 2012 من أجل تشريح الجثة ولاستكمال عملية التحقيق التي تجريها النيابة العامة.
سنواته الأولى
وُلد تورغوت أوزال يوم 13 أكتوبر/تشرين الأول 1927 في مدينة ملاطية شرقي الأناضول، لعائلة متعلمة، إذ شغل والده محمد صادق أوزال وظيفة كاتب بنكي، وعملت أمه ذات الأصول الكردية تونجلي تشيميشيكلي مدرّسة ابتدائي. وفي فترة طفولته أراد أوزال أن يصبح طياراً، وبسبب وقوعه تَعرَّض لكسر في ذراعه أدى إلى بقاء إحدى ذراعيه أقصر من الأخرى، الأمر الذي أجبره على التخلي عن رغبته في أن يصبح طياراً.
وبسبب وظيفة والده كانت العائلة تتنقل بين المحافظات التركية باستمرار، إذ درس الصفوف الابتدائية في مدينة بيلجيك، والوسطى في مدينة ماردين، والثانوية في مدينة قيصرية. وبعد إنهائه الثانوية، حصل على منحة تعليمية مكّنَته من دراسة الهندسة الكهربائية بجامعة إسطنبول التقنية، التي تَخرَّج فيها عام 1950. وفي عام 1952 سافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية من أجل استكمال الدراسة في تخصصه، لكنه غيّر وجهته لدراسة العلوم الاقتصادية.
وعند عودته إلى تركيا، عمل على عديد من مشاريع الطاقة الكهربائية في تركيا، كما شغل منصب نائب المدير العام لإدارة دراسة الأعمال الكهربائية (EİEİ)، بالإضافة إلى شغله مناصب متعددة في بعض الهيئات والمؤسسات الحكومية. وبعد إنهاء خدمته العسكرية الإجبارية، عمل في هيئة التخطيط التركية (DTP)، وفي عام 1967 تولى منصب وكيل وزارة هيئة التخطيط التركية. ومن عام 1971 إلى عام 1973 عمل مستشاراً في المكتب الصناعي للبنك الدولي. وبعد عودته إلى تركيا عمل مديراً لكبرى شركات القطاع الخاص التركية.
حياته السياسية
بدأ حياته السياسية إبان الانتخابات العامة عام 1977، عندما ترشح لدخول البرلمان التركي مرشحاً لمنصب نائب إزمير عن حزب السلامة الوطني، لكن الحظ لم يحالفه بالفوز، ليُعيَّن في ما بعد وكيلاً لرئاسة الوزراء ونائباً لوكيل وزارة التخطيط الاستراتيجي في فترة الحكومة الثالثة والأربعين. وبعد الانقلاب العسكري في 12 سبتمبر/أيلول 1980، عُيّن مساعداً لرئيس الوزراء في الملف الاقتصادي في حكومة بوليند أولسو، إذ بقي في المنصب الموكول إليه لغاية استقالته في 14 يوليو/تموز 1982.
لاحقاً، أسّس أوزال حزب الوطن الأم (ANAP) في 20 مايو 1983، كحزب ليبرالي وسطي يميني. وفي الانتخابات العامة التي جرت عام 1983 حصل الحزب المشكَّل حديثاً على 211 مقعداً من أصل 400 مقعد، مشكلاً بشكل منفرد الحكومة 45 برئاسة تورغوت أوزال، كما حقق الحزب نفس القدر من النجاح في الانتخابات المحلية التي أُجرِيَت عام 1984، ليعاد انتخاب أوزال على أثرها رئيساً للحزب في المؤتمر الأول له، الذي عُقد في 13 أبريل/ نيسان 1985.
وفي الانتخابات العامة التي أُجريَت عام 1987، حصل حزب الوطن الأم على الأغلبية مجدداً بعد حصوله على 292 مقعداً، ليصبح أوزال مرة أخرى رئيساً للوزراء في الحكومة 46. وخلال الفترتين اللتين قضاهما تورغوت أوزال في رئاسة الوزراء كان الجيش يتولى موقع رئاسة الجمهورية.
وانتُخب أوزال رئيساً للجمهورية التركية عام 1989، وعلى الرغم من تركه منصب رئاسة الوزراء فإنه استمر في لعب دور حاسم في تطور الأحداث السياسية في البلاد.
إنجازاته
على الصعيد الاقتصادي، وضع أوزال خلال فترة ترؤسه الحكومة الأسس والمعايير لتغيير وإعادة هيكلة الاقتصاد التركي بما يتجانس مع نظام السوق الحرة، وعلى أثر ذلك نجح أوزال في رفع الدخل القومي للفرد إلى 1636 دولاراً، وخلال وجوده في السلطة من 1983 إلى 1993 نهض بالاقتصاد محققاً معدلات نمو بمتوسط 5.2% سنوياً.
كما تمكن أوزال من تحويل وتوجيه الاقتصاد التركي نحو المنافسة العالمية، من خلال التشجيع على الإنتاج والتصدير إلى الخارج، مستبدلاً بنموذج النمو القائم على الاستيراد نموذجاً قائماً على التصنيع والتصدير، لتُنشأ مناطق صناعية في معظم المدن التركية. وتقطف تركيا حالياً ثمار ما زرعه أوزال في البرامج المحلية للصناعات الدفاعية العسكرية.
وعلى صعيد حقوق الإنسان، شهدت تركيا إصلاحات واسعة في الملفات الحقوقية، كما أعطى المؤسسات الإعلامية مجالاً واسعاً لحرية الرأي والتعبير. وحاول جاهداً حل المسألة الكردية سلمياً، مفضِّلاً الحوار على العمل العسكري. يُذكر أن أوزال بقدر ما كان مرتبطاً بالطريقة النقشبندية الصوفية، فإنه بقي وفياً لمبادئ العلمانية التي أُسِسّت عليها الجمهورية التركية الحديثة.
وفاته
توُفّي تورغوت أوزال نتيجة سكتة قلبية في أثناء فترة رئاسته للجمهورية التركية في 17 أبريل/نيسان 1993، ليكون بذلك الرئيس الثاني بعد مصطفى كمال أتاتورك الذي توُفّي خلال شغله منصب رئاسة الجمهورية.
فيما تشكّك عائلة أوزال في وفاته بشكل طبيعي نتيجة سكتة قلبية، وتزعم أرملته سمراء أنه مات مسموماً، وطالبت أسرته لنحو عقدين من الزمن بتشريح جثته من أجل الوقوف على الأسباب الحقيقية لوفاته. وبقرار النيابة العامة استُخرج جثمان تورغوت أوزال في أكتوبر/تشرين الأول 2012 من أجل تشريح جثته لتحديد أسباب وفاته. وعلى الرغم من العثور على آثار السم فإن تقرير الطب الشرعي لم يخلص بشكل نهائي إلى تحديد ما إذا كان أوزال قد مات بسبب السم أو بسبب آخر.
يُذكر أن أوزال كان نجا من محاولة اغتيال خلال مشاركته في المؤتمر العامّ الثاني لحزب الوطن الأم في 18 يونيو/حزيران 1988، عندما حاول أحد الأشخاص قتله بإطلاق النار عليه من مسافة قصيرة، لكن الرصاصة أصابت يده اليمنى.