قال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إن احتفالات موسكو القادمة بيوم النصر في 9 مايو/أيار لن يكون لها تأثير في وتيرة عملياتها بأوكرانيا. وبالتزامن مع اتهامه إسرائيل بدعم النازية في أوكرانيا، أصر لافروف يوم الأحد على أن موسكو لن تتسرع في إنهاء ما تسميه روسيا "عمليتها العسكرية الخاصة" مع حلول الذكرى السنوية التي يُحتفل فيها بهزيمة واستسلام النازيين عام 1945.
فيما يُصِرّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي وجد في النازية ضالته التي ساعدته لتكون إحدى الذرائع الرئيسية لبدء هجومه على أوكرانيا قبل أكثر من شهرين، على أن روسيا لن تُنهي "العملية العسكرية الخاصة" حتى تخلّص المواطنين الروس والأوكرانيين من شر "النازيين الجدد"، الممثَّلين بكتيبة "آزوف" وغيرها من الكتائب القومية الأخرى.
وبالتزامن مع قرب حلول الذكرى السنوية لانتصار الروس على النازية، التي تصادف التاسع من مايو الجاري، يعتقد المراقبون للشأن الروسي أن بوتين قد يستغل أجواء الاحتفال لتمهيد الطريق نحو تصعيد حملته العسكرية ضد أوكرانيا ومن خلفها دول حلف شمال الأطلسي (ناتو).
احتفالات يوم النصر
9 مايو هو يوم النصر في دول الاتحاد السوفييتي السابق، وهو يوم عطلة يُحيِي ذكرى الانتصار الروسي على ألمانيا النازية في نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945.
ويتميز يوم النصر باستعراض عسكري ضخم يشرف عليه ويحضره بوتين شخصياً على منبر مليء بالمحاربين القدامى -لا يزال عدد قليل منهم على قيد الحياة- وتستعرض القوات الروسية في الساحة الحمراء بموسكو الترسانة العسكرية للبلاد، بما في ذلك الصواريخ الباليستية العابرة للقارات.
فيما شهد حدث العام الماضي مشاركة أكثر من 12000 جندي وأكثر من 190 قطعة من المعدات العسكرية، بالإضافة إلى ما يقرب من 80 طائرة عسكرية.
في سياق متصل قال جيمس نيكسي، مدير برنامج روسيا-أوراسيا في المعهد الملكي للشؤون الدولية "تشاتام هاوس" في لندن، لشبكة CNN، إن "يوم 9 مايو مصمَّم للتباهي بالجماهير وترهيب المعارضة وإرضاء ديكتاتور ذلك الوقت".
لماذا 9 مايو مهمّ لروسيا؟
لطالما اعتمد بوتين على الأهمية الرمزية المرتبطة بأحداث وطنية مفصلية في تاريخ موسكو للإعلان عن خططه الطموحة لإعادة أمجاد الإمبراطورية الروسية، فكما استند إلى خطاب الحرب العالمية الثانية لتبرير غزو أوكرانيا في اليوم التالي لعيد "المدافع عن الوطن"، يرجّح أوليغ إجناتوف، كبير محللي شؤون روسيا في مجموعة الأزمات الدولية، أن بوتين سيستفيد من الأهمية الرمزية والدعائية ليوم النصر للإعلان عن إنجاز عسكري في أوكرانيا، أو تصعيد كبير للأعمال العدائية، أو كليهما.
قد تكون احتفالات النصر القادمة في روسيا حدثاً مهمّاً في سير الحرب الروسية بأوكرانيا، وهي حرب كانت أكثر صعوبة مما توقَّعه الكرملين. فبينما يرى مراقبون أن إعادة التوجيه العسكري الأخيرة نحو منطقة دونباس الأوكرانية كانت مدفوعة بالموعد النهائي للعملية العسكرية في أوكرانيا الذي يصادف ذكرى يوم النصر في 9 مايو/أيار الجاري، يخشى آخرون أنه إذا ما ثبت أن هذا النصر بعيد المنال فقد يُستخدم اليوم بدلاً من ذلك "كنقطة ارتكاز" لتعبئة أوسع للقوات، رغم نفي الكرملين صحة هذه المزاعم.
الأمر نفسه الذي دفع وزير الدفاع البريطاني بن والاس إلى الإعراب عن قلقه من أن يستخدم بوتين 9 مايو للضغط من أجل التعبئة الجماهيرية للشعب الروسي، وهذا لا يعني فقط توسُّع الحرب ضد أوكرانيا، بل يعني أيضاً تصعيداً ضد الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي.
موسكو تتهم إسرائيل بدعم النازية
في مقابلة مع قناة تليفزيونية إيطالية مطلع الشهر الجاري، أشار لافروف إلى أن الزعيم النازي أدولف هتلر من أصول يهودية، وذلك في معرض ردّه على سؤال عن سبب قوله إن روسيا تحتاج إلى تخليص أوكرانيا من النازيين إذا كان رئيسها نفسه يهودياً، مما أشعل موجة غضب حادة في إسرائيل التي قالت إن هذه مغالطة "لا تُغتفر" تهوِّن أهوال محارق النازي.
وعلى الرغم من تنديد إسرائيل وزعماء غربيين بتصريحات لافروف، واتهام زيلينسكي روسيا بنسيان دروس الحرب العالمية الثانية، عاد سيرغي لافروف الثلاثاء مجدداً واتهم إسرائيل بدعم النازيين الجدد في أوكرانيا.
وجاء في البيان الذي نشرته الخارجية الروسية رداً على مطالبة الخارجية الإسرائيلية لافروف باعتذار حول تصريحه الأخير بأن "أكبر مُعادٍ للسامية هم اليهود": "التاريخ، للأسف، شهد أمثلة مأساوية للتعاون بين اليهود والنازيين، ففي بولندا ودول أخرى في أوروبا الشرقية، عيّن الألمان الصناعيين اليهود رؤساء للأحياء اليهودية (ghetto) والمجالس اليهودية، وبعضهم يُذكَر بأعماله الوحشية للغاية".
يُذكر أن إسرائيل تجنبت في بداية الحرب انتقاد موسكو مباشرة أو المشاركة في العقوبات الغربية المفروضة ضدها، واكتفت بمساعي الوساطة لإنهاء الأزمة الأوكرانية، إذ كانت تخشى توتر العلاقات مع موسكو بما يؤثّر سلباً في تعاونهما غير المباشر في سوريا.