ذكّرت بها ألمانيا.. ماذا نعرف عن أول إبادة في القرن العشرين في ناميبيا؟
ذكَّرت ناميبيا ألمانيا بالإبادة التي ارتكبتها في حقها أوائل القرن الماضي، وذلك بعد أن قررت برلين الدخول طرفاً ثالثاً إلى جانب إسرائيل، في الدعوة المرفوعة عليها بارتكابها جرائم إبادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني.
ماذا نعرف عن أول إبادة جماعية في تاريخ ناميبيا؟ (Others)

عاد ملف الإبادة الجماعية التي ارتكبتها ألمانيا في ناميبيا أوائل القرن العشرين، إلى البروز مجدداً. وذلك بعد إعلان برلين وقوفها طرفاً ثالثاً إلى جانب إسرائيل في الدعوى المرفوعة ضدها أمام المحكمة الدولية بارتكاب جرائم إبادة في حق الفلسطينيين، وهو ما انتقدته ناميبيا مذكِّرة ألمانيا بتاريخها الاستعماري الدموي.

وتعتبر الإبادة الجماعية التي تعرضت لها شعوب الهيريرو والناما الإفريقية، على يد الاستعمار الألماني، أول إبادة في القرن العشرين، إذ قتلت وقتها قوات الإمبراطورية البروسية نحو 110 آلاف ساكن أصلي للأراضي المعروفة حاليّاً باسم جمهورية ناميبيا.

ناميبيا تذكِّر ألمانيا بجرائمها!

في بيان نشرته يوم السبت، على صفحتها الرسمية بمنصة "إكس"، انتقدت الرئاسة الناميبية قرار الحكومة الألمانية الوقوف إلى جانب إسرائيل في المحكمة الدولية. وقالت رئاسة ناميبيا في بيانها: "ناميبيا ترفض الدعم الذي تقدمه ألمانيا لمساعي الإبادة الجماعية التي تقوم بها الدولة الإسرائيلية العنصرية ضد المدنيين الأبرياء في غزة".

وأضافت رئاسة ناميبيا أن ألمانيا "نفذت أول إبادة جماعية في القرن العشرين بين عامي 1904و1908، التي راح ضحيتها عشرات الآلاف من الناميبيين الأبرياء في ظروف غير إنسانية"، وأنه "في ضوء عدم قدرة برلين على استخلاص الدروس من تاريخها المروّع"، أعرب الرئيس حاجي جينجوب عن "قلقه العميق إزاء القرار الصادم الذي أعلنته الحكومة الألمانية".

وأشار البيان إلى أن "الحكومة الألمانية اختارت الدفاع أمام محكمة العدل الدولية عن أعمال الإبادة الجماعية البشعة التي ارتكبتها الحكومة الإسرائيلية ضد المدنيين الأبرياء في غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة، وذلك في تجاهل لعمليات القتل العنيفة التي راح ضحيتها أكثر من 23 ألف فلسطيني في القطاع".

وكانت ألمانيا قد أعلنت، يوم الجمعة، رفض الاتهامات التي وجهتها جنوب إفريقيا لإسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، بارتكاب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين، معلنةً أنها ستتدخل باعتبارها "طرفاً ثالثاً" أمام المحكمة.

وقال المتحدث باسم الحكومة الألمانية شتيفن هيبستريت في بيان، إن إسرائيل "تدافع عن نفسها بعد الهجوم اللا إنساني، الذي شنَّته حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023"، موضحاً أن بلاده "ستتدخل باعتبارها طرفاً ثالثاً أمام محكمة العدل الدولية، بموجب مادة تسمح للدول بطلب توضيح بشأن استخدام اتفاقية متعددة الأطراف"، لإثبات أن إسرائيل لم تنتهك اتفاقية الإبادة الجماعية.

وأشاد الرئيس التونسي الأسبق منصف المرزوقي، بتحرك الرئاسة الناميبية ضد ألمانيا، قائلاً في تصريحه لـTRT عربي: "أُحيي رئيس ناميبيا الذي أصدر بياناً في غاية الأهمية، وهو يتوجه للألمان بقوله (أنتم أول من تسببتم في إبادة جماعية بحق شعبنا (...) ثم ارتكبتم إبادة جماعية ضد اليهود، ندفع إلى الآن ثمناً باهضاً لها، والآن لكم الوقاحة لكي تغمضوا أعينكم عن الإبادة الثالثة بحق الشعب الفلسطيني".

وحسب الناشطة الألمانية وعضوة المنظمة اليهودية المناهضة للفاشية "جويش بوند"، معيّن زهاب، فإنه "لا يجب أن نفرق بين عنصرية الأنظمة السياسية في ألمانيا، بما في ذلك النازية، وبين التاريخ الاستعماري في البلاد (...) فقبل أن ترتكب ألمانيا إبادة بحق اليهود كانت قد اختبرت نفس تكتيكات إبادة جماعية ضد شعب ناميبيا قبل ذلك".

وجددت الناشطة التأكيد، في حديثها لـTRT عربي، أن ما فعلته ألمانيا "لا يدخل في نطاق التكفير عن المحرقة ومحاربة معاداة السامية"، بل "هم يحمون التفوق العرقي الأبيض ويحمون الإمبريالية".

ماذا نعرف عن أول إبادة في القرن العشرين بناميبيا؟

وارتكبت القوات الاستعمارية الألمانية، بين عامي 1904 و1908، إبادة جماعية بشعة في حق شعب ناميبيا، وتُعرف بـ"إبادة شعبي الهيريرو والناما". وكانت هذه الإبادة ردَّ فعل انتقاميّاً من الألمان ضد المقاومة المسلحة التي قادها الشعب الناميبي ضد الاستعمار.

وفي عام 1884، بعد مؤتمر برلين، الذي وزع الأراضي الإفريقية على القوى الأوروبية، استولى الألمان على ناميبيا. وخلال السنوات القليلة التي تلت، انتقل نحو 5 آلاف مستعمر ألماني إلى أراضي البلد الإفريقي، ليضطهدوا نحو 250 ألف من السكان الأصليين. إذ طُرد شعب الهيريرو والمجموعات الأخرى بشكل منهجي من أراضي أجدادهم، وخُصّصت لهم "محميات".

وكان المستوطنون الألمان يعذبون الأفارقة الذين يعتبرونهم مُخالفين للقانون، وكانوا يعرضونهم للجلد والشنق. وأظهرت السجلات الرسمية الألمانية حالات عديدة لمستوطنين بيض صدرت بحقهم أحكام مخففة لارتكابهم جرائم اغتصاب وقتل بحق السكان الأصليين.

وقد أثارت هذه الوحشية الاستعمارية غضب السكان الأصليين، الذين شنوا ثورة مسلّحة بحلول عام 1904، بقيادة زعيم قبيلة الهيريرو، صامويل ماهيريرو. وفي أحداث أشبه بهجوم "طوفان الأقصى"، هاجمت قوات ماهيريرو في 12 يناير/كانون الثاني من ذلك العام الجنود الألمان المتمركزين في بلدة أوكاهانجا، وقتلت أكثر من 120 منهم.

واستمرت المقاومة الناميبية في تحقيق النجاحات على الأرض، واتبعت استراتيجية استهداف المستوطنات ضعيفة التحصين. وهو ما دفع القوات الألمانية إلى إطلاق حملة انتقامية دموية بحق السكان الأصليين.

وفي يونيو/حزيران 1904، دكَّ الجنود الألمان القرى التي يسكنها نحو 50 ألف من شعب الهيريرو بالقذائف، وحينما هبَّ الرجال للمواجهة، استغل لواء ألماني الفرصة لذبح النساء والأطفال المتروكين وحدهم. وتمكنوا من قتل معظم السكان الأصليين. بينما فرَّ الناجون منهم نحو صحراء كلهاري القاسية، حيث مات أغلبهم عطشاً، وجُمع آخرون ونُقلوا إلى معسكرات الاعتقال واستُخدموا عبيداً.

وأصدر الجنرال الألماني فون تروثا، أمراً بإبادة شعب الهيريرو، وقال في رسالة وقتها: "أنا، الجنرال الأعلى للجنود الألمان، أرسل هذه الرسالة إلى الهيريرو. لم يعد الهيريرو رعايا ألماناً بعد الآن (...) سنطلق النار على أي فرد منهم نعثر عليه داخل الحدود الألمانية، بسلاح أو دونه. لن أقبل بعد الآن النساء والأطفال. سأعيدهم إلى قومهم وإلا سأسمح بإطلاق النار عليهم كذلك".

وبعد إطلاق هذه الحملة، انضم مزيد من القبائل الأصلية إلى المقاومة، وعلى رأسها قبيلة الناما. وهو ما أدى إلى تصعيد الألمان حملة الإبادة، وتوسيعها لتشمل شعوباً أخرى، واستمرت هذه الحملة إلى حدود عام 1908، قُتل خلالها ما بين 24 و100 ألف من الهيريرو، و10 آلاف من الناما.

TRT عربي