تعتبر مداخيل الحج من بين أهم إيرادات صندوق الخزينة السعودي، إذ كان يوفر للمملكة قرابة 12 مليار دولار سنوياً، وذلك مقابل توافد أكثر من مليوني مسلم من كل أنحاء العالم لأداء فريضة الحج.
وبالتالي فإن تقليص عدد الحجاج للمرة الثانية، يشكل ضربة قوية للاقتصاد السعودي الذي ما زال يعاني من تداعيات انتشار فيروس كورونا في كل القطاعات على غرار بقية بلدان العالم.
إلا أن تنامي المخاوف من مزيد من انتشار فيروس كورونا دفع بالسلطات السعودية إلى اتخاذ قرار تقليص عدد الحجاج، الذي اعتُبر قراراً حساساً على المستوى الديني والسياسي، وتعليقاً على ذلك صرحت وزارة الحج والعمرة في وقت سابق بأن "هذا القرار نابع من أولوية قصوى تتمثل في الحفاظ على سلامة الحجاج على أراضيها حتى مغادرتهم إلى بلدانهم".
خسائر وانكماش اقتصادي
رغم ما حققته المملكة العربية السعودية في السنوات القليلة الماضية من إنجازات وطفرة اقتصادية، بسبب ارتفاع عدد المؤسسات ومراكز التسوق والمحال التجارية، التي كانت تعتمد بشكل كبير على موسم الحج لزيادة مداخيلها. فإن انتشار الوباء العالمي تسبب في شلل اقتصادي لهذه المرافق والمؤسسات وتسريح لعدد كبير من الموظفين، على خلفية قرار المملكة بتقليص عدد الحجاج لسنتين متواليتين.
إضافة إلى الخسائر الاقتصادية الأخرى المترتبة على إغلاق المطارات والحجر المنزلي لفترات طويلة وبقية إجراءات الوقاية لمنع مزيد انتشار الفيروس الذي تسبب في إصابة ووفاة الآلاف من السعوديين.
ولم تكن تلك الضربة الاقتصادية الوحيدة للسعودية، إذ تزامن ذلك مع تسجيل تراجع حاد في أسعار النفط، ما أدى إلى انكماش في الناتج المحلي ليبلغ قيمة 6.8% في السنة الماضية وفق ما صرح به صندوق النقد الدولي، ما أجبرها على اللجوء إلى الديون، وعلى القيام بإجراءات تقشف وزيادة ضريبة القيمة المضافة سنة 2020 من 5% إلى 15%، إضافة إلى تخفيض علاوات موظفي الخدمة المدنية.
واعتُبر الحج لسنوات طويلة مصدر دخل هاماً جداً لخزائن المملكة، وتخطط لمضاعفته ليصل إلى 50 مليار دولار سنوياً بعد أن كان في حدود 12 مليار دولار، ووضعت لذلك خططاً استراتيجية. وقدرت إحصائيات سابقة أن تكلفة متوسط إنفاق الحاج السعودي خلال فترة الحج تبلغ قرابة 1866 دولاراً، فيما قدرت تكلفة الحج بالنسبة إلى الوافدين الأجانب من أنحاء العالم بما بين 4000 و5000 دولار في المتوسط للحاج الواحد، إضافة إلى عدة مصاريف أخرى، وكانت قد قامت المملكة في وقت سابق قبل انتشار الجائحة بإقرار بعض الزيادات لمزيد إنعاش الخزائن السعودية.
لذلك وبالوقوف على هذه الأرقام، فإن تقليص عدد الحجاج أحدث هزة كبيرة للاقتصاد السعودي، وتعثر المشاريع العملاقة، وأعاق كذلك مخططات المملكة ضمن برنامج "رؤية 2030" لتعزيز الإيرادات غير النفطية الذي أطلقه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
بينما كانت تأمل السعودية في زيادة عدد الحجاج لتستقبل بحلول سنة 2030 قرابة 30 مليون حاج ومعتمر وفق الخطة التي وضعها ولي العهد محمد بن سلمان، تجد نفسها مجبرة بفعل انتشار فيروس كورونا على تقليص عدد الحجاج.
فبعد أن استقبلت سنة 2019 قرابة 2.5 مليون مسلم من أنحاء العالم، أعلنت السنة الماضية عن السماح بمشاركة 10 آلاف مقيم فقط للقيام بالمناسك ضمن إجراءات مشددة، مع عدم السماح للصحافة الأجنبية بتغطية الشعائر.
هل يسترد المرشَّحون للحج حقوقهم؟
وللسنة الثانية على التوالي تقرر السلطات السعودية المواصلة في قرار تقليص عدد الحجاج لتسمح لنحو 60 ألف شخص فقط بتأدية مناسك الحج، وستتراوح أعمارهم بين 18 و65 عاماً على أن يكونوا جميعاً قد تلقوا التطعيم.
وأعلنت وزارة الحج والعمرة في مؤتمر صحفي أن الأولوية للحج هذه السنة ستكون لمن لم يحج خلال السنوات الخمس الماضية.
نشر الإعلان وسط تساؤل عن مصير المترشِّحين للقيام بفريضة الحج من خارج المملكة ومن قاموا بدفع الرسوم. وتعليقاً على ذلك صرح رمزي بركان المدير العام لخدمات الحج والعمرة بأنه تم اتخاذ قرار في وقت سابق بإيقاف التسجيل للمشاركة في الحج، وأنه ستتم إعادة الأموال لمن حُرموا من الحج منذ قرار تقليص عدد الحجاج سنة 2020، وأنه ستتم الاستجابة لمطالب المترشِّحين باسترداد حقوقهم، وفق خريطة يتم تحديدها في وقت لاحق.