بنى تحتية متهالكة واقتصاد منكمش.. مآزق ألمانيا في تنظيم "يورو 2024"
مع اقتراب موعد تنظيم كأس أوروبا لكرة القدم "يورو 2024"، تسود مخاوف في ألمانيا من ترهل البنية التحتية الضرورية لاستضافة الحدث الرياضي، الذي سيستقبل مئات الآلاف من عشاق اللعبة ومشجعي المنتخبات المشاركة في هذه الدورة.
مآزق ألمانيا في تنظيم "يورو 2024" / صورة: DPA (DPA)

ويعد "يورو 2024"، أكبر حدث رياضي تستضيفه ألمانيا، منذ مونديال 2006. ومن المرتقب أن تستقبل ألمانيا خلال هذه المناسبة نحو 1.9 مليون زائر من 120 دولة، وبيع ما يفوق 425 ألف تذكرة مباريات لجماهير من 170 دولة.

لكن، ومع هذا الحضور الكبير المرتقب، تواجه ألمانيا مأزقاً في توفير البنية التحتية اللائقة بشرف التنظيم الحدث الرياضي. إذ تشهد بنيتها التحتية الحالية، خاصة تلك التي تتعلق بالنقل والسكك الحديدية، ترهلاً كبيراً، بسبب سنوات عديدة من ضعف الاستثمار العمومي وغياب الإصلاح.

ويصعب على برلين استدراك هذا الموقف، في الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها، إذ لا تزال البلاد تُعافر للخروج من الانكماش الاقتصادي الذي تسبب فيه ارتفاع مستويات التضخم نتيجة صدمة الطاقة التي خلّفها اندلاع الحرب في أوكرانيا.

بنية تحتية متهالكة

بالنسبة إلى البنية التحتية الرياضية، قررت ألمانيا الاعتماد على الملاعب الموروثة من مونديال 2006، التي تبلغ من العمر الآن 17 عاماً. وسبق أن احتفى المستشار الألماني أولاف شولتس بهذا القرار، واصفاً إياه بأنه "عمل استثنائي ولا يوجد في أي مكان آخر غير ألمانيا".

وستتضيف ألمانيا البطولة الأوروبية لكرة القدم في الملاعب الـ12، جلها موروثة عن المنافسات الرياضية الدولية السابقة، في كل من برلين، وميونيخ، ودورتموند، وشتوتغارت، وهامبورغ، وفرانكفورت، وكولونيا، ولايبزيغ، وغيلسنكيرشن ودوسلدورف.

فيما يعد ملعب "شتوتغارت أرينا" الوحيد الذي جرى تجديده وتحديثه، بتكلفة مالية قاربت 140 مليون يورو.

غير أن المعضلة الكبرى التي تواجهها ألمانيا، هي البنية التحتية لوسائل النقل، خصوصاً شبكة القطارات، التي تعاني من ضعف البنية وكثرة الأعطاب، كما عدم انضباط مواعيد العمل، بالإضافة إلى نقص الموظفين والإضرابات العمالية التي أصبح تشلها في مرات عدة مؤخراً.

وحسب تقارير وزارة النقل الألمانية، بات 40 خطاً من خطوط السكك الحديدية متهالكاً ويستدعي إعادة البناء بالكامل، وهو ما يقدّر بطول إجمالي يبلغ 4000 كيلومتر.

وفي عام 2022، وصلت نسب التأخير في شبكة القطارات الألمانية إلى 45% من الرحلات. وقالت دراسة أخرى متعلقة بنفس العام، إن "دقة المواعيد استمرت في التدهور، على شبكة السكك الألمانية الوطنية بأكملها، على مدى السنوات العشر الماضية، إذ انخفضت من 80% إلى 60%".

وأكد رئيس مجموعة الدفاع عن حقوق ركاب القطارات في ألمانيا "برو بان"، ديتليف نيوس، أن وضع شبكة القطارات الألمانية "تدهور بشدة خلال السنوات الأخيرة". وأوضح في تصريحات للغارديان: "حاولوا إبقاء القطارات تعمل في الوقت المحدد، لذلك جرى تأجيل بعض مشاريع البناء (...) كان ذلك خطأً كبيراً، ودُمّرت شبكة السكك الحديدية إلى أبعد مدى".

وحذر تقرير لمكتب التدقيق الألماني، أن تشغيل شبكة السكك الحديدية الوطنية ومحطاتها وإشاراتها، إلى جانب عديد من خطوط السكك الحديدية الطويلة والمحلية القطارات، معرض لخطر التحول إلى "حفرة بلا قاع" لأموال دافعي الضرائب.

في السياق ذاته، تعاني الشبكة الطرقية في ألمانية نفس معاناة نظيرتها السككية، إذ إن ما يقرب من 4000 جسر طريق حالياً "غير ملائمة" للاستغلال، حسب تصنيف وزارة النقل الألمانية. ومن بينها جسر شيرشتاين، الذي قالت الوزارة أنه يعاني "من تمزق خطير في بنيته دون معالم تحذير"، ولكن لا يزال اليوم يستقبل نحو 80 ألف مركبة يومياً.

كما أن شبكة الطرق السريعة الألمانية، التي يمكن الوصول إليها مجاناً، متدهورة بشكل خاص في ولاية شمال الراين وستفاليا. وسبق أن نبّه اتحاد سائقي السيارات الألماني (ADAC)، إلى أن السائقين قضوا في المنطقة 323 ألف كيلومتر في اختناقات مرورية بسبب أعمال الصيانة المتكررة.

ووفقاً لوسائل إعلام أوروبية، فإن ألمانيا تعاني من تأخر كبير في البنى التحتية، بما في ذلك الطرق، والشبكات الكهربائية، وتغطية الهواتف المحمولة، والمؤسسات التعليمية، والتحول الرقمي للإدارة.

مآزق متتالية

وترجع أسباب ترهل البنية التحتية الألمانية، إلى تراكم سنوات من ضعف الاستثمار العمومي الألماني في إصلاحها وتحسينها. وبلغت استثمارات ألمانيا في البنية التحتية عام 2022 نحو 29 مليار يورو، 89% منها مخصصة أساساً لشبكة الطرق.

كما أطلقت الحكومة الألمانية برنامجاً لإعادة بناء وإصلاح شبكة السكة الحديد، يبلغ غلافه المالي 27 مليار يورو بحلول عام 2027.

وبالرغم من رفع الاستثمار العمومي في البنية التحتية في ألمانيا، تبقى تلك الأرقام المطروحة من الحكومة منخفضة جداً، مقارنة بجارتها الجنوبية فرنسا، التي خصصت 100 مليار دولار ميزانية أشغال عمومية في عام 2024.

فيما يزيد ضعف هذا الاستثمار، وينبئ بعدم زيادته على المدى القريب، الظرف الاقتصادي العسير الذي تمر به ألمانيا، إذ لا تزال تكافح للخروج من الانكماش الاقتصادي الذي تسببت فيه الصدمة الطاقية بعيد اندلاع الحرب في أوكرانيا.

وحسبما أشارت إليه وزارة المالية الألمانية، شهر يناير/كانون الثاني الماضي، فإن المؤشرات المبكرة الحالية للاقتصاد لا تشير إلى انتعاش اقتصادي سريع في ألمانيا خلال عام 2024. هذا بعد موجة الانكماش التي رافقت ذلك الاقتصاد على طول العام الماضي.

وفي الربع الأخير لعام 2023، أي من أكتوبر/تشرين الأول إلى ديسمبر/كانون الأول، انكمش الناتج المحلي الإجمالي في ألمانيا بنسبة 0.3%، حسب تقرير نشره مكتب الإحصاء الفيدرالي الألماني، مشيراً إلى أن ارتفاع التضخم وأسعار الفائدة الثابتة كانت العوامل المؤدية إلى التأثير في النمو.

وحسب كاستن برزيسكي، الخبير المالي ورئيس قسم الأبحاث الماكرو اقتصادية بمجموعة ING المالية، فـ"على الأقل خلال الأشهر الأولى من عام 2024، ستظل العوائق الأخيرة العديدة التي أعاقت نمو (الاقتصاد الألماني) موجودة، وسيكون لها، في بعض الحالات، تأثير أقوى مما كانت عليه في عام 2023".

وتتلخص هذه العوائق، وفق الخبير ذاته، "في اضطراب سلاسل التوريد الناتجة عن عمليات الإغلاق الوبائية والحرب في أوكرانيا وأزمة الطاقة وارتفاع التضخم وتشديد السياسة النقدية وتغير دور الصين، من مستورد كبير للمنتجات الألمانية إلى منافس يعتمد بشكل أقل على تلك المنتجات".

TRT عربي