العمل مجاناً.. الفرنسيّات ينتفضن ضدّ التمييز وفجوة الأجور بين الجنسين
لا يزال تحقيق المساواة في الأجور بين الجنسين مطلباً تكافح من أجله الفرنسيّات منذ سنوات، لم يلقَ إلى اليوم تفاعلاً تشريعياً وسياسياً حقيقياً. وقد ازدادت وتيرة الاحتجاجات النسوية خلال الفترة الأخيرة للضغط على المرشّحين المحتملين للانتخابات الرئاسية.
الفرنسيّات ينتفضن ضدّ التفاوت في الأجور بين الجنسين (Others)

احتجاجاً على عدم المساواة في الأجور بين الجنسين، أطلقت ناشطات نسويّات فرنسيات حملة لـ"العمل مجانا" ابتداءً من الأربعاء 3 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، عند الساعة 9:22 صباحاً حتى نهاية العام، وذلك ككلّ سنة منذ عام 2015.

ويعتبر الكثير من الناشطين الحقوقيين الفجوة في الأجور بين الجنسين شكلاً من أشكال التمييز السلبي ضدّ المرأة وعنفاً اقتصادياً تغضّ عنه جميع الأطراف نظرها. وبينما تُشير اليوم عدّة تقارير ودراسات إلى أنّ هذه الظاهرة في فرنسا آخذة في الاتساع، تشدد عديد الأصوات على إيجاد حلول قانونية وإجراءات تضمن للمرأة حقها على قدم المساواة مع الرجل في مكان العمل.

تزايد الفجوة في الأجور

شأنها شأن بقية أشكال التمييز والاضطهاد المسلّط على المرأة، لا تزال الفجوة في الأجور والتمييز الاقتصادي بين الجنسين ظاهرة اجتماعية لم تلقَ إلى اليوم تفاعلاً وتجاوباً كافياً لدى الجهات المسؤولة والجهات التشريعية في فرنسا.

ووفق ما أشار إليه تقرير صادر عن الخبيرة الاقتصادية ريبيكا أمسيلم، ونشرته لاحقاً صحيفة "Les Glorieuses" النسوية يوم الثلاثاء 2 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، فقد وصل فارق الأجور بين النساء والرجال في فرنسا عام 2021 إلى حدود 16.5% في حين قُدّرت نسبته عام 2016 بنحو 15%.

وعبّرت أمسيلم عن أسفها الكبير إزاء هذا التزايد الملحوظ، وقالت تعليقاً على ذلك في تصريح إعلامي: "التفاوت في الأجور آخذ في الاتساع.. ويجب اتخاذ تدابير ملموسة اليوم، من أجل تجنب الانتظار حتى عام 2234 لرؤية مساواة حقيقية في الأجر".

وفي السياق ذاته، سلّط استطلاع أخير أجرته مؤسسة "INSEE" عام 2017، الضوء على أنّ الفجوة في الأجور بين الرجال والنساء ممن أتمّوا دراساتهم العليا على وجه التحديد، قد بلغت ذروتها لتناهز حدود 29.4%، في حين أنّ هذه الفجوة التي لا تستند في الحقيقة إلى أيّ نوع من الاختلاف سواء في عدد ساعات العمل أو في نوع الوظيفة، تراوحت ما بين 5% و7%. وقد شهدت هذه الظاهرة ارتفاعاً كبيراً بعد ذلك، منذ انتشار جائحة كورونا وما ترتّب عنها من تداعيات اقتصادية، كانت المرأة العاملة أحد أكبر ضحاياها الاقتصادية، وكشفت الوجه السيّئ لعدم المساواة بين الجنسين في فرنسا.

وفي محاولة منها لتبرير هذا التفاوت لفتت "INSEE" الانتباه إلى أنّ النساء الفرنسيات يشغلن في الواقع 80% من الوظائف بدوام جزئي، وربما يفسّر ذلك سبب التفاوت في الأجر. ولكن الخبيرة الاقتصادية والناشطة النسوية ريبيكا أمسيلم، اعتبرت أنّ ذلك يعود إلى محاولة المرأة الفرنسية التوفيق بين رعاية الأطفال أو كبار السن وأداء عملها، وصرّحت قائلة: "نلاحظ أنّ الفرق في الراتب يتّسع بشكل أكبر بالنسبة للنساء منذ سنّ إنجاب طفلهن الأول، أي بين سنّ 30 و35 عاماً".

وبينما لا يزال هذا الاضطهاد الاقتصادي طيّ التعتيم والتجاهل، أطلقت ناشطات نسويات فرنسيات حملات واسعة للتنديد بذلك. ومنذ عام 2015 تصدر مجلة "Les Glorieuses" النسوية تقارير مفصّلة، وتعلن التاريخ الذي تدعو فيه النساء للعمل مجاناً احتجاجاً على هذا النوع من التمييز. وتُحدد التواريخ وفق عملية حسابية استناداً إلى أرقام المديرية العامة للمفوضية الأوروبية المسؤولة عن المعلومات الإحصائية. وقد وافق تاريخ الانطلاق في الحملة لهذه السنة 2021 يوم 3 نوفمبر/تشرين الثاني. وذلك إلى آخر السنة.

إجراءات سياسية غير كافية

تحاول الناشطات الحقوقيات والنسويات الفرنسيات الضغط على الحكومة والمرشحين المحتملين لرئاسيات 2022، في سبيل سنّ قوانين وتشريعات تتقاطع مع عقود التمييز الاقتصادي والمهني بين الجنسين.

وفي سلسلة مقترحات قُدّمت إلى مختلف المرشحين للانتخابات الرئاسية المقبلة، طالبت "Les Glorieuses" بإعادة تقييم أجور الوظائف التي تكون فيها النساء أكثر عدداً، ومن بينها "الممرضات" و"القابلات"، إضافة إلى منح إجازة أبوّة تكافئ إجازة الأمومة، ودعت إلى تكافؤ الفرص بين الجنسين في العقود في الشركات إلى جانب المساواة في الترقية في الوظائف، لا أن تكون النساء غالباً الخط الثاني.

ويعتبر ناشطون ومحللون أنّ الإجراءات الحكومية في فرنسا لا تزال قاصرة إلى اليوم في تعزيز مبدأ المساواة المهنية والاقتصادية بين الرجال والنساء، رغم ما شرّعته في سبيل ذلك.

ففي عام 1972 سُنّ أول قانون يُرسي مبدأ "العمل ذي القيمة المتساوية والأجر المتساوي"، ويُجبر القانون أرباب العمل، في كلٍّ مِن القطاعين الخاص والعام، على المساواة في الأجر بين النساء والرجال. ولكنّ القانون لم يفِ بالغرض، ما أجبر الحكومة على اتخاذ مزيد من الإجراءات. فأُقرّت مجموعة من القوانين والتدابير سنتي 2018 و2020 تفرض المساواة بين الجنسين في الرواتب والزيادات والترقيات.

وبالرغم منذ لك، لا تزال هذه الظاهرة آخذة في الاتساع مثيرة بذلك غضباً وتنديداً شديد لدى كافة النساء العاملات الفرنسيات، والتي كما تشير العديد من التقارير الأممية إلى أنها تتقاسم المعاناة نفسها مع بقية النساء الأوروبيات بنوع من التفاوت.

TRT عربي