على رأس تلك الحروب، تبرز حرب الإبادة الإسرائيلية التي خلَّفت دماراً واسعاً وكوارث إنسانية هائلة في قطاع غزة، فإلى جانب فقدان عشرات آلاف الفلسطينيين حياتهم، ظهرت تداعيات هذه الحرب على تدمير البنية التحتية وامتدت لتؤثر بشكل كبير على الأطفال والنساء، الذين يمثلون الفئات الأكثر ضعفاً.
في الوقت نفسه، واصلت الحرب في السودان تعقيد المشهد الإنساني، حيث تفاقمت أزمة اللاجئين والمشردين داخلياً وسط انهيار شبه كامل في الخدمات الأساسية، مما وضع المنظمات الإغاثية أمام تحديات غير مسبوقة.
إلى جانب ذلك لم يكن العالم بمنأى عن أزمات أخرى مستعرة في مناطق مختلفة، كلها تجمعها نتيجة واحدة هي تدهور الظروف الإنسانية وزيادة معاناة السكان المدنيين وتصاعد انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك استهداف المدنيين، وفرض الحصارات، واستخدام الأسلحة المحرّمة دولياً.
الأطفال والنساء الأكثر تأثراً
كشفت الأمم المتحدة في تقرير نُشر نهايات العام المنصرم، عن أن الحروب والصراعات وصل تأثيرها على الأطفال في عام 2024 في جميع أنحاء العالم إلى مستويات "مدمرة وقياسية"، مشيرةً إلى أن عدد الأطفال الذين يعيشون في مناطق الحروب والنزاعات أو هُجّروا قسراً بسببها، يفوق أي وقت مضى.
وأكد تقرير منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) وجود عدد قياسي من الأطفال الذين يعانون من انتهاك حقوقهم، بما في ذلك القتل أو الإصابة، والحرمان من التعليم، وخسارة اللقاحات المنقذة للحياة والتعرّض لسوء التغذية الخطير، متوقعةً أن يزيد هذا العدد مع استمرار الوضع.
وقدَّرت الأمم المتحدة أن أكثر من 473 مليون طفل يعيشون في مناطق حروب أو متأثرة بالصراعات، أي بمعدل طفل واحد من كل 6 أطفال، مشيرةً إلى أن النسبة تضاعفت من 10% في تسعينيات القرن الماضي إلى نحو 19% حالياً، وهو أعلى مستوى منذ الحرب العالمية الثانية٫ وفق التقرير.
وأشارت "يونيسيف" إلى أن نحو 52 مليون طفل في مناطق الحروب أو المناطق المتأثرة بها حُرموا من التعليم بسبب تعطل المدارس أو تدميرها، ما أدى إلى تفاقم وضع صعب أصلًا لتعليم الأطفال في تلك البلدان.
إلى جانب ذلك، ازدادت معدلات سوء التغذية بين الأطفال، إذ أشارت تقارير الأمم المتحدة إلى حدوث مجاعة في شمال دارفور بالسودان، وهي الأولى منذ عام 2017، إذ يعاني واحد من كل 3 أطفال في السودان من انعدام الأمن الغذائي، مما يزيد من خطر الوفاة نتيجة سوء التغذية الحاد.
كما أثرت الحروب على فرص الأطفال في الحصول على الرعاية الصحية الأساسية، إذ يعيش نحو 40% من الأطفال غير المطعّمين في بلدان متأثرة بالنزاعات، ما يجعلهم أكثر عُرضة لتفشي أمراض مميتة كالحصبة وشلل الأطفال. كما سلط التقرير الضوء على الأثر النفسي المدمر للحروب على الأطفال، إذ يعاني عديد منهم من الاكتئاب والكوابيس وصعوبات النوم نتيجة العنف وفقدان الأحباء.
في السياق أشار التقرير الأممي إلى مقتل أو إصابة أكثر من 100 ألف طفل بسبب الهجمات والقصف في مناطق الحروب، لافتاً إلى أن 40% من ضحايا الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة من الأطفال.
ووفق تقرير مشترك صادر عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) ومنظمة "أنقذوا الأطفال"، (Save the Children)، فإن أكثر من 250 ألف طفل جُندوا في النزاعات المسلحة حول العالم، ويُجبر هؤلاء الأطفال على العمل في بيئات شديدة القسوة أو يُزجُّ بهم في أتون الصراعات المسلحة، فيما يعاني الملايين غيرهم من خطر الجوع وسوء التغذية الحاد نتيجة تبعات الحروب.
وفي هذا الصدد حدد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة 6 انتهاكات جسيمة ارتُكبت بحق الأطفال في مناطق الحروب خلال العام المنصرم، وتشمل: قتل الأطفال وتشويههم، وتجنيدهم أو استغلالهم من القوات المسلحة والجماعات المسلحة، والهجمات المباشرة على المدارس والمستشفيات، والاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي الخطير، واختطاف الأطفال، ومنع وصول المساعدات الإنسانية إليهم.
وأظهرت التقارير انتشاراً كبيراً لحالات العنف الجنسي ضد الأطفال في بعض مناطق النزاع المسلح؛ ففي هايتي، على سبيل المثال، ارتفعت معدلات العنف الجنسي ضد الأطفال بنسبة 1000% مقارنةً بالسنوات السابقة.
أما وضع النساء في مناطق الحروب فلم يكن أقل قسوة، ففي غزة، تزداد معاناة النساء نتيجة نقص الخدمات الطبية الحيوية، حيث يواجه عديد منهن خطر الموت بسبب غياب العلاج لأمراض مزمنة مثل السكري والسرطان.
وأشارت التقارير إلى أن 15 ألف امرأة حامل يقفن على شفا المجاعة، بالإضافة إلى أن 177 ألف امرأة أخرى معرضة لمخاطر صحية مهدِّدة للحياة بسبب غياب الرعاية الطبية.
تضاعُف أعداد الجوعى
أصدر برنامج الأغذية العالمي نهاية العام الماضي تقريره الرئيسي تحت عنوان "التوقعات العالمية 2025"، الذي يكشف عن أن 343 مليون شخص في 74 دولة يعانون حالياً من انعدام الأمن الغذائي الحاد، بزيادة قدرها 10% مقارنةً بعام 2023.
وأفاد التقرير بأن عدد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد قد تضاعف من 705 آلاف شخص في خمس دول وأقاليم في عام 2023 إلى 1.9 مليون شخص في أربع دول أو أقاليم في عام 2024، لا سيما في قطاع غزة والسودان. كما ارتفعت مستويات الجوع في بعض المناطق الأخرى مثل جنوب السودان وهايتي ومالي إلى مستويات مثيرة للقلق.
وفي غزة على وجه الخصوص، يعاني 91% من السكان من انعدام الأمن الغذائي الحاد، مع وجود 16% منهم في ظروف كارثية، وفق التقرير الأممي.
وأضاف التقرير أن الصراعات المستمرة تسهم بشكل كبير في تدهور الأمن الغذائي في السودان، إذ تشير التقديرات إلى أن نحو 26% من السكان سيواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد. كما صنّف نحو 25.6 مليون شخص في السودان على أنهم يعانون من مستويات أزمة غذائية أو أسوأ.
وأشار تقرير آخر للأمم المتحدة باسم "نظرة عامة إقليمية على الأمن الغذائي والتغذية في الشرق الأدنى وشمال إفريقيا 2024" إلى أن نحو 186.5 مليون شخص في المنطقة، أي ما يعادل 39.4% من السكان، يعانون من انعدام الأمن الغذائي، من بين هؤلاء، يعاني 72.7 مليون شخص من مستويات شديدة من انعدام الأمن الغذائي.
وقد أوضح التقرير أن الحروب والصراعات تظل العامل الرئيس في تفاقم أزمة الأمن الغذائي وسوء التغذية في المنطقة، فيما تسهم التحديات الاقتصادية، وعدم المساواة في الدخل، والآثار المناخية الشديدة، في تفاقم الوضع.
ووفق تقرير مفوضية اللاجئين الصادر لعام 2024، بلغ عدد النازحين قسرياً حول العالم 122.6 مليون شخص٫ بسبب الحروب والصراعات، فيما تشير البيانات إلى أن 71% من اللاجئين يقيمون في دول ذات دخل منخفض أو متوسط، مما يزيد من الضغوط على هذه البلدان التي تواجه تحديات اقتصادية وإنسانية كبيرة في استضافة هذا العدد الكبير من اللاجئين.