خلال العقدين الأخيرين تنامت العلاقات بين تركيا وباكستان بشكل لافت لتصل إلى مستوى العلاقات الاستراتيجية. وبشكل مستمر يتخذ البلدان إجراءات من شأنها توطيد هذه العلاقات بشكل أكبر من خلال تعزيز التعاون في العديد من القضايا الإقليمية والدولية، والعمل ككيان واحد في مواجهة أزمات المنطقة والهيمنة الأمريكية، فضلاً عن التعاون في المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية إلى جانب مشاركة التجارب العسكرية والصناعات الدفاعية.
بالمقابل، تثير التحركات التركية الباكستانية الأخيرة في مجال التعاون العسكري ومشاركة الخبرات في الصناعات العسكرية والدفاعية وما نتج عنها من توقيع اتفاقيات شراكة قلقاً وتوجس أطراف إقليمية ودولية، تخشى من أن يصبح هذا التحالف قوة لا يمكن مجابهتها تقود العالم الإسلامي في السنوات القادمة.
وتزامناً مع النمو المطرد الذي يشهده قطاع الصناعات الدفاعية التركي، شهدت السنوات الثلاث الأخيرة زخماً كبيراً في مجال التعاون العسكري وعقد الصفقات والشراكات بين أنقرة وإسلام أباد، كان آخرها وأبرزها إبرام صفقة لشراء طرادات بحرية "كورفيت" ضمن مشروع الإنتاج المشترك في إطار مشروع "ملغم" التركي الخاص بإنتاج قطع بحرية بإمكانات محلية خالصة.
مشروع "ملغم"
"ملغم (MİLGEM)" اختصار لـ"السفينة الوطنية (Millî Gemi)"، هو الاسم الذي أطلق على مشروع تصميم وإنتاج سفن وقطع بحرية عسكرية بإمكانات وطنية. ويهدف المشروع، الذي تديره البحرية التركية، وتنفذه رئاسة الصناعات الدفاعية التركية بالتعاون مع شركة (STM) التركية، إلى تطوير طرادات وفرقاطات متعددة الأغراض يمكن استخدامها في مجموعة من المهام، بما في ذلك الاستطلاع والمراقبة والإنذار المبكر والحرب المضادة للغواصات والقتال البحري والبري والجوي والعمليات البرمائية.
في عام 2005 بدأت أعمال تصنيع أولى سفن مشروع "ملغم" من فئة "أدا" في ميناء تابع للقوات البحرية التركية في مدينة إسطنبول. وفي عام 2014 تم اختيار شركة الهندسة والتكنولوجيا الدفاعية التركية (STM) مقاولاً فرعياً لبناء السفن المتبقية من فئة "أدا"، والتي بدورها قامت بالتعاون مع 50 شركة محلية أخرى لإتمام هذه المهمة، أبرزها شركتا (Aselsan) و(Havelsan) التركيتان اللتان لعبتا دوراً مهماً في تطوير مكونات وأنظمة القيادة والتحكم وإدارة الحرب الإلكترونية.
واعتباراً من عام 2018 شمل مشروع "ملغم" إنتاج 16 سفينة حربية للبحرية التركية، وهي موزعة على النحو التالي: 4 طرادات حربية مضادة للغواصات من فئة "أدا" جرى تسليمها للقوات البحرية التركية، وطراد خاص بالعمليات الاستخباراتية، و4 فرقاطات متعددة الأغراض من فئة "إسطنبول"، و7 مدمرات حربية مضادة للطائرات من فئة (TF2000)، وحاملة الطائرات التركية (TCG Anadolu) التي يتوقع تسليمها قريباً، بالإضافة إلى 4 طرادات من فئة "بابور" خاصة بالبحرية الباكستانية.
طرادات "بابور"
شهد يوم الأحد الماضي إنزال أولى طرادات "بابور" الأربعة الخاصة بالبحرية الباكستانية، والتي تجري أعمال بناؤها ضمن مشروع "ملغم"، في حفل حضره الرئيس رجب طيب أردوغان ونظيره الباكستاني عارف علوي، أقيم في حوض خاص ببناء السفن في مدينة إسطنبول.
وقال أردوغان في كلمة ألقاها في الحفل: "نحن متفقون مع باكستان على تعزيز شراكتنا في الصناعات الدفاعية". وأشار إلى أن بقية الطرادات التي وقعت تركيا وباكستان اتفاقاً بشأنها عام 2018 ستكتمل بحلول عام 2025.
في يوليو/تموز 2018، وقعت البحرية الباكستانية عقداً لشراء 4 طرادات من فئة "أدا" مع شركة الدفاع التركية المملوكة للدولة (ASFAT). وفقاً للعقد الموقع، تم الاتفاق على بناء طرادين في تركيا وآخرين في باكستان، في صفقة تضمنت مشاركة خبرات وتكنولوجيا التصنيع في ما يخص هذا الطراز من السفن الحربية.
ستزود طرادات "بابور" بأحدث الأسلحة وأجهزة الاستشعار السطحية وتحت السطحية والمضادة للطائرات، والتي يتم دمجها من خلال نظام إدارة قتال مركزي متطور، فضلاً عن قدرتها العالية على التخفي من الرادارات. ويبلغ متوسط طول السفن 99 متراً بسعة إزاحة تبلغ نحو 2400 طن، كما يمكنها الإبحار بسرعة 29 ميلاً بحرياً.
تعاون دفاعي متنامٍ
انعكس النمو الذي يشهده قطاع الصناعات الدفاعية التركية على علاقات التعاون العسكري المشترك بين تركيا وباكستان، إذ أصبحت باكستان من أهم الوجهات التي تُصدر إليها الأسلحة والأنظمة الدفاعية التي تُنتجها الشركات التركية، ففي الفترة ما بين 2016 و2019 بلغ إجمالي صادرات الأسلحة التركية إلى باكستان أكثر من 112 مليون دولار أمريكي، وفقاً لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI)، حيث حلت تركيا بالمرتبة الثالثة كأكبر مورد للأسلحة إلى باكستان.
وفي السنوات الثلاث الأخيرة تزايد التعاون بين البلدين في مجال الصناعات العسكرية والدفاعية، فضلاً عن برامج التدريب والمناورات العسكرية المشتركة. فإلى جانب صفقة طرادات "بابور" الأربعة التي تعد أكبر مناقصة تصدير في تاريخ الصناعات الدفاعية التركية، وقعت شركة الصناعات الجوية والفضائية التركية "توساش" اتفاقية مع وزارة الدفاع الباكستانية في يوليو/تموز 2018 لتزويدها بـ30 مروحية استطلاع تكتيكي من طراز "أتاك تي 128" وطائرات تدريب أخرى، إضافة إلى حزمة من العقود الخاصة بالمواد الاحتياطية واللوجستية والذخائر والتدريب، ما جعل تركيا ثاني أكبر مورد للأسلحة إلى باكستان بعد الصين.
وأعلنت أنقرة في وقت سابق أنها ستشتري مقاتلات من طراز (Super Mushshak MFI-17) إضافة إلى ثلاث غواصات من باكستان، كما سيشارك البلدان في بناء ناقلة أسطول.