أمام نقص العمالة الحادّ.. هل يلجأ الاتحاد الأوروبي إلى المهاجرين؟
بعد أشهر من إبداء دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي مخاوف من تأثير ارتفاع شيخوخة السكّان في أسواق العمل، كشفت المفوضية الأوروبية عن "صندوق أدوات" للتعامل مع التغيّرات الديمغرافية في أوروبا.
العمالة في ألمانيا (Others)

بعد أشهر من إبداء دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي مخاوف من تأثير ارتفاع شيخوخة السكّان في أسواق العمل، كشفت المفوضية الأوروبية عن "صندوق أدوات" للتعامل مع التغيّرات الديمغرافية في أوروبا.

ويركّز الصندوق على أربعة عناصر، هي: الهجرة، والآباء، والشباب، وكبار السن، كما يضم آليات تنظيمية وسياسات وتمويلاً محدّداً للخطّة.

وتركّز المفوضية في حزمة الإجراءات هذه على الهجرة النظاميّة، وفق ما أكدته نائبة رئيس المفوضية الأوروبية دوبرافكا شويتشا.

وقالت المسؤولة الأوروبية إنّه "في العام الماضي، انتقل أكثر من 3 ملايين شخص إلى أوروبا بشكل نظامي، و300 ألف شخص انتقلوا بشكل غير نظامي".

محاولة لحل أزمة نقص العمالة أوروبياً

وفق المفوضية، فإنّ هذه الآلية المقترحة تسمح للأجانب من الدول غير الأوروبية بالتقديم للوظائف الشاغرة في الاتحاد الأوروبي في مجالات وقطاعات تُحدَّد وفقاً للحاجيات ونقص العمال.

ويربط "صندوق أدوات" الاتصال بين الشركات الأوروبية والباحثين عن عمل من الدول غير الأعضاء، لسدّ الثغرات الموجودة في القطاعات الأكثر حاجة للعمالة.

ويهدف الصندوق وفق مارغريتيس شيناس، نائب رئيسة المفوضية، إلى سدّ الثغرات الرئيسية في أسواق العمل، وخلق استقرار سياسي واقتصادي مع الدول الأخرى، مؤكداً العمل في الوقت ذاته على تقليل الهجرة غير النظامية.

وتعمل المفوضية الأوروبية حالياً على مراجعة التوجيهات الخاصة بالتصريح الوحيد الذي يُمنح لمواطني الدول غير الأعضاء للإقامة والعمل في الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى قواعد منح "البطاقة الزرقاء"، وهي تصريح إقامة أوروبي يُمنح للأفراد الحاصلين على مؤهلات عالية، ويحصلون على رواتب تفوق 54 ألف دولار سنوياً.

وفي عام 2021، صدرت نحو 29 ألف بطاقة زرقاء في الاتحاد الأوروبي، كانت 67% منها في ألمانيا، تليها 10% في بولندا، فيما ارتفعت هذه النسب في عام 2022.

شيخوخة "القارة العجوز"

يُطلق على أوروبا لقب "القارة العجوز"، لكنّها اليوم تشهد ارتفاعاً في معدّلات الشيخوخة في أوساط الفئات النشيطة، ما سيؤثر في أسواق العمل واقتصادياتها في المقبل من الأيام.

وتقدّر دراسات أن يتقلّص عدد السكان في سنّ العمل داخل دول الاتحاد الأوروبي بمقدار 57.4 مليون نسمة بحلول عام 2100، ما يعني أنّ خطر التأثير السلبي على القدرة التنافسية الأوروبية سوف يزداد أيضاً.

ومن المتوقَّع أيضاً أن يرتفع الإنفاق على الصحة والرعاية طويلة الأجل للمسنّين ومعاشات التقاعد.

وتتخوّف أوروبا من ارتفاع الإنفاق العام من 24.6% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2019، إلى ما يقرب من 27% في عام 2040، ما قد يؤدي إلى عرقلة التحول الأخضر والرقمي المزدوج في أوروبا، وتفاقم مشكلة نقص العمالة.

نقص العمالة في الدول الأوروبية

يسهم عاملان أساسيّان في رسم معالم أزمة نقص اليد العاملة في أوروبا، أوّلهما ندرة العمالة المؤهلة.

ووفق مؤشر الاقتصاد والمجتمع الرقمي الأوروبي، فإنّ أربعة من كل 10 راشدين يعملون في أوروبا يفتقرون إلى المهارات الرقمية الأساسية، فيما يتمثل العامل الثاني في نسب الشيخوخة المرتفعة في البلدان الأوروبية مقابل انخفاض معدلات الخصوبة.

في 2022، أبلغت نحو 3 من أصل كلّ 10 شركات عن نقص في العمالة، كما تحدثت 74% من الشركات الصغيرة والمتوسطة عن وجود نقص في العمَّال المَهَرة.

وفي يونيو/حزيران 2023، قالت صحيفة تايمز البريطانية إنّ فنادق أوروبية اضطرت إلى إغلاق طوابق كاملة، وقلَّصت المطاعم ساعات عملها؛ بسبب النقص المزمن في العاملين في قطاع الضيافة.

وحذَّرت الصحيفة أولئك الذين يريدون قضاء عطلاتهم في أوروبا من أنّ "الفنادق والمطاعم وأماكن الجذب في جميع أنحاء الاتحاد تواجه مشكلات غير مسبوقة في توظيف العمال".

ووفقاً للمجلس العالمي للسفر والسياحة، فقد سُرّحَ 1.69 مليون شخص يعملون في هذا القطاع خلال 2020، تزامناً مع عمليات الإغلاق المتعلقة بجائحة "كوفيد-19".

ورغم انتعاش قطاع السياحة بسرعة في عام 2022، فإنّ الوظائف الشاغرة لم تُملأ بالسرعة الكافية.

مشكلة تمسّ كل القطاعات

إلى ذلك، تعاني إسبانيا من مشكلات حادّة في توظيف عمال في قطاع الضيافة، رغم وجود 3.5 مليون شخص عاطل عن العمل.

كما تعاني إيطاليا نقصاً قدره 220 ألف عامل في السياحة خلال الصيف، ويشير قادة القطاع إلى أنّ أحد الأسباب هو أنّ الشباب لم يعودوا يرغبون في القيام بوظائف صيفيّة يدويّة.

أما ألمانيا، فتعاني نقصاً في العمالة الماهرة في نحو 60 مهنة. ويأتي التمريض، وتقديم الرعاية للمرضى وكبار السن، والبناء، وتكنولوجيا المعلومات، من بين المهن الأكثر طلباً للكوادر الماهرة.

وتُرجّح تقديرات أن يمثِّل عدد الشيوخ أكثر من 30% من سكان ألمانيا بحلول 2050، وهو ما يفوق ضعف نسبة الشباب لتلك السنة.

كما يتوقع خبراء أنّ ألمانيا ستشهد خلال السنوات الخمس عشرة المقبلة تقاعد 30% من أصل 45 مليون شخص يعملون اليوم، وأنّ مواطنيها لن يكونوا قادرين على سدّ الفجوة وحدهم.

وفي حال لم يتمكن الاقتصاد الألماني، الذي يحتل المركز الرابع عالمياً، من حلّ المشكلة الديمغرافية عبر جلب عمالة أجنبيّة، فإنّه لن يتمكّن من الحفاظ على إيقاع إنتاجه الحالي.

وحاولت ألمانيا إدخال إصلاحات على قانون هِجرة العمالة الماهرة، بشكل يهدف إلى تسهيل قدوم العمال الأجانب إلى ألمانيا.

أما في فرنسا، فقد طرحت الحكومة مشروع قانون يسمح بمنح تصاريح إقامة شرعية للمهاجرين غير النظاميين الذين يعملون في القطاعات التي تعاني نقصاً في اليد العاملة في البلاد.

وفي مارس/آذار 2023، حدَّثت بريطانيا قائمة المهن التي تشهد نقصاً لافتاً، وتسعى لندن لملء كثير من هذه الوظائف الشاغرة، عبر فتح باب استقدام العمالة الماهرة من الخارج، فيما يعاني 11.5% من الشركات في المملكة المتحدة من نقص في العمالة.

وتدرس الحكومة البريطانية إجراء تغييرات على نظام الهجرة، وإمكانية إضافة عمال البناء والضيافة والبيع بالتجزئة إلى قائمة المهن التي تحتاج إليها البلاد، فضلاً عن وضع خطط تمنح الشركات إعانات لخدمات الصحة المهنية.

لا يقتصر هذا الوضع على دول أوروبا الغربية، إذ يواجه بعض بلدان أوروبا الوسطى والشرقية نقصاً كبيراً في أسواقها المحلية؛ بسبب هجرة عمّال مهن تعاني نقص العمال أساساً.

كانت سلوفينيا قد سجّلت هجرة أكثر من 4 آلاف من مواطنيها في 2021، فيما سجّلت رومانيا هجرة نحو 13 ألفاً من مواطنيها، ما دفع الأخيرة إلى الموافقة على زيادة عدد التأشيرات الممنوحة للعمال الأجانب خلال عام 2022، إلى 100 ألف.

هل تساعد خطة المفوضية في حل الأزمة؟

تقول نائبة رئيس المفوضية الأوروبية دوبرافكا شويتشا، إنّ "صندوق الأدوات" هو بمثابة مدّ يد المساعدة للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، مضيفةً أنّ "كل واحدة منها تواجه تحدّياتها الخاصة، ولا يوجد نهج مناسب للجميع".

وأوضحت شويتشا أنّ الخطة "ليست استراتيجية، ولا سياسة، إنّما هي حرفياً مجموعة من الأدوات يمكن للدول الأعضاء اختيارها لتعزيز استراتيجياتها وإجراءاتها الوطنية الخاصة بأفضل طريقة ممكنة".

ويعمل الاتحاد الأوروبي على ملء الوظائف الشاغرة بين الدول الأعضاء، واضعاً نصب عينيه هدف خفضها من 70% إلى 54% بحلول عام 2070، وفق أحدث أرقام لمكتب الإحصاء الأوروبي "يوروستات".

وهو هدف يشكل تحدياً كبيراً أمام السوق الأوروبية، ويفرض على الحكومات إجراء تغييرات اقتصادية وسياسية جذرية في مجال الهجرة.

TRT عربي