وفقاً لتقرير حديث صادر عن معهد التمويل الدولي، بلغ الدين العالمي الإجمالي ما يقرب من 300 تريليون دولار في عام 2021، أي ما يعادل 356% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. يمثل مستوى الدين المرتفع بشكل غير عادي ارتفاعاً بمقدار 30% في نسبة الدين العالمي إلى الناتج المحلي الإجمالي في السنوات الخمس الماضية.
أما بالنسبة لليابان، فقد ارتفع الدين القومي للبلاد إلى مستوى قياسي للسنة السادسة على التوالي، ويرجع ذلك جزئياً إلى ارتفاع تكاليف الضمان الاجتماعي، مثل الرعاية الطبية والتمريضية، إلى جانب دفعات أجور التقاعد. وعلاوة على ذلك، الإنفاق الحكومي الذي زاد في العامين الأخيرين من أجل التعامل مع جائحة فيروس كورونا.
ومع نهاية الشهر الماضي، فضلت الحكومة اليابانية استخدام الأدوات المالية لتخفيف أعباء الأسر بدلاً من تعديل السياسة النقدية أو التدخل في سوق العملات لدعم الين الذي يُتداول عند أدنى مستوياته في 20 عاماً مقابل الدولار. فيما قد تشمل تغطية التحفيز الإضافي إصدار سندات إضافية، مما سيزيد من عبء الدين العام الأكبر في العالم الصناعي، والذي يبلغ أكثر من ضعف الناتج الاقتصادي السنوي.
حجم الدين القومي الياباني
سجل الدَين القومي الياباني رقماً قياسياً جديداً للسنة السادسة على التوالي. وقالت وزارة المالية اليابانية إن الدين العام بلغ نحو 1.24 كوادريليون ين، أو حوالي 9.5 تريليون دولار، في نهاية مارس/آذار الماضي. وهو ما يزيد بـ 190 مليار دولار على العام السابق. وهو الأعلى في أي دولة متقدمة. فيما يملك بنك اليابان 45% من هذا الدين.
تجدر الإشارة إلى أن ما يقرب من 90% من الدين يأتي من السندات الحكومية التي تصدرها الحكومة اليابانية لتعويض النقص في العائدات الضريبية. ومن المرجح أن تزداد الحالة المالية للبلاد سوءاً على المدى القريب، إذ تخطط الحكومة لإصدار سندات جديدة بقيمة 36.9 تريليون ين، أو حوالي 280 مليار دولار، لتمويل الإنفاق في ميزانيتها الأولية للعام المالي 2022.
فيما يتعين على الحكومة أيضاً أن تكافح التضخم وارتفاع الأسعار الذي نتج عن الحرب الأوكرانية المستمرة منذ ما يقرب من 3 شهور، والتي بدورها قفزت بأسعار السلع الغذائية وأحدثت تقلبات كبير بأسواق الطاقة وأسعارها، وهو ما وجه ضربة إضافية إلى الأوضاع المالية.
كيف تضر الديون المفرطة بالاقتصاد؟
يجد معظم الاقتصاديين صعوبة في فهم السبب الذي يجعل كثيراً من الديون تضر بالاقتصاد، ناهيك بمقدار الدين الذي يعتبر أكثر من اللازم. ولجعل الأمور أسوأ، فإن الممارسة الشائعة المتمثلة في مقارنة مستويات الديون إلى الناتج المحلي الإجمالي للبلدان المختلفة اختلافاً كبيراً ليست أداة مفيدة لقياس الكيفية التي يُرجح أن يدير بها اقتصاد معين عبء ديونه.
وفي حالة اليابان، من المحتمل أن ينخفض تصنيفها اليابان الائتماني السيادي بمقدار درجة إلى ثلاث درجات في العقد المقبل إذا لم تنفذ الحكومة خطة جديرة بالثقة لضبط الأوضاع المالية من خلال خفض العجز والدين. وهو الخطر الذي أشار إليه "مكتب أبحاث الاقتصاد الكلي آسيان+3" في تقريره السنوي الأخير، والذي أكد من خلاله على التحديات التي تواجه صناع السياسات المالية في اليابان في وقت تزداد فيه حدة الاضطرابات الاقتصادية العالمية.
إذن متى يكون الدين عبئاً على الاقتصاد ولماذا؟ بشكل حاسم، يمكن أن يكون للأنواع المختلفة من الديون المتزايدة تأثيرات مختلفة جداً على الاقتصاد. علاوة على ذلك، حتى في البلدان التي يُنظر إليها على أنها مثقلة بالديون، يمكن أن تختلف تكاليف التعديل بشكل كبير.
لماذا لا ينهار الاقتصاد الياباني بسبب الديون؟
يعتبر اقتصاد اليابان من بين الاقتصادات الأكثر تقدّماً في العالم، ويحل في المرتبة الثالثة بعد كلاً من الولايات المتحدة والصين، لكن في الوقت نفسه تعدّ اليابان البلد الأعلى مديونية في العالم، وذلك رغم حجم الدين العام الذي بلغ 256.86% من إجمالي الناتج المحلّي في عام 2021.
وفيما يصنف خبراء الاقتصاد البلاد التي تصل مديونيتها إلى 60% من ناتجها الإجمالي ضمن الدول المعرضة للإفلاس، لكن الأمر مختلف بالنسبة إلى اليابان، التي لم تتعرض حتى اليوم لأزمة مديونية، مازالت تتمتع بقدرتها على زيادة دينها وبيع سنداتها بسهولة بمعدلات فائدة منخفضة للغاية.
ويأتي في مقدمة الأسباب التي تكمن وراء صمود الاقتصاد الياباني وعدم انهياره تحت ضغط الديون الهائل، أن اليابان تقترض بكلفة منخفضة جداً، كما أن الديون مقومة بالين الياباني ومعظمها مستحقة للسوق الداخلي، ناهيك بأن الاقتصاد الياباني موجه نحو التصدير، فضلاً عن أن اليابان لديها قدر كبير من احتياطيات النقد الأجنبي.