59 عاماً على اغتياله.. مَن المناضل الأمريكي المسلم مالكوم إكس؟
تنقَّل مالكوم بين دول إسلامية وعربية مثل سوريا ومصر التي أصبح شهيراً بها بعد موته، وقد أُثيرت ضجة كبيرة في تركيا حين اغتياله، وعرفه الأتراك أكثر عن طريق كتاب سيرة حياته "مالكوم إكس.. سيرة ذاتية"
مالكوم إكس (Others)

رجل ذو بشرة سمراء، طويل القامة، ملامحه عادية، يُلقي محاضرة أمام جمع من الحضور في إحدى قاعات المؤتمرات بنيويورك، وبينما يتحدث، يبدأ شجار بين اثنين ضمن قرابة 400 شخص حضروا هذه اللحظة، سنعرف فيما بعد أنه كان شجاراً مفتعلاً من أجل أن ينشغل به الجميع بمن فيهم حرس هذا الرجل الأسود، ويستطيع شخص ما إطلاق النيران في قلب المحاضر مباشرةً فيُرديه قتيلاً.

كان هذا المحاضر المقتول هو مالكوم إكس، وتاريخ الواقعة 21 فبراير/شباط 1965.

أنْ تولَد أسود في مجتمع البيض

في ولاية نبراسكا الأمريكية، بمدينة أوماها، وُلد مالكوم ليتل أو مالكوم إكس، عام 1925، لعائلة مسيحية سوداء، ولأب يعمل قسيساً ويدافع عن حقوق السود في دولة كانت تعيش أسوأ فتراتها على صعيد العنصرية المبنية على لون البشرة.

نال عائلةَ إكس ظلمٌ كبيرٌ جراء لون بشرتها، فقد توفي أعمامه قتلاً على يد عنصريين بيض، وهو ما أدى بوالده القسيس المسالم والمدافع عن حقوق السود إلى الانتقال إلى ولاية ميشيغان بعد 3 أعوام فقط من ميلاد إكس، ونتيجة لحريق في منزل العائلة أضرمته حركة عنصرية متطرفة وقتها تدعى (كوكلوكس كلان KKK).

حياة مالكوم إكس التي تتابعت فيها الأحداث المفاجئة والمريرة في نفس الوقت، أُضيف إليها في عمر السادسة مقتل والده على يد جماعة عنصرية هشَّمت رأسه.

طفولة السود الفقراء في أمريكا

وفاة الأب جعلت الأم مكلَّفة رعاية 7 أطفال بينهم إكس، ووسط مجتمع شديد العنصرية ضد السود في هذا الوقت، كانت الحياة صعبة على الأم التي حاولت أن ترعى الأطفال بالعمل في المنازل، لكن مَن ينسى تاريخ زوجها في النضال ضد العنصريين البيض؟

المعاملة السيئة للأسر التي عملت والدة إكس لديها امتدت إلى سلطات الولاية نفسها، فمنعتها من الحصول على المساعدات، فساءت حالتها النفسية ودخلت مصحة نفسية لم تستمر بها طويلاً ثم توفيت، لتبدأ مرحلة جديدة في حياة مالكوم إكس تنقَّل فيها بين ملاجئ مختلفة وكان يهرب منها، وسرق أكثر من مرة حتى دخل السجن في سن صغيرة، وحُكم عليه بالسجن 10 سنوات.. هذه حياة لا تنبئ أبداً بما سيحدث لهذا الشخص.

في السجن.. إصلاح وإسلام

حينما سُجن مالكوم إكس عام 1964، بدأ في استكمال تعليمه، إذ قضى في السجن 6 أعوام ونصف العام -بعدما خُففت العقوبة- وكانت بداية الانطلاق ناحية شخصية إكس المدافع عن حقوق الإنسان الأسود.

تعلم إكس دروساً عن الدين من خلال أحد السجناء، وتزامن ذلك مع نقله إلى سجن آخر وتلقيه رسائل من شقيقه خارج السجن يبلغه فيها أنه اعتنق ديناً جديداً، داعياً إياه لدخوله ذلك الدين "الذي يساوي بين الأبيض والأسود، الداعي لأخلاق حميدة تجعل كل الناس سواسية، ويعطي الجميع حريتهم"، تلقى ليتل هذه الرسائل في السجن وأعلن دخوله الدين الإسلامي ودعا السجناء من حوله لاعتناقه.

شهرة مالكوم

تأسست منظمة "أمة الإسلام" في أمريكا عام 1930، لتكون من أهم المنظمات الفاعلة في مجتمع المسلمين السود دفاعاً عن حقوقهم، لكنها كانت جماعة أيضاً متحيزة تماماً للمسلمين السود دون البيض، ومؤسسها إليجاه محمد كان يطالب بتأسيس دولة منفصلة للسود.

وظل مالكوم في سنوات سجنه تابعاً لحركة "أمة الإسلام" يقرأ كثيراً في كل المجالات، ليدرك أن لديه القدرة على مخاطبة الجمهور والدعوة إلى الحركة، وهو ما جعله يصبح الخطيب المفوّه الذي سيكتسب عند خروجه من السجن عام 1952 شهرة أكبر في إطار الدعوة إلى "أمة الإسلام".

هذا الشاب الذي خرج لتوِّه من السجن، أصبح خلال سنوات قليلة الرجل الثاني في جماعة "أمة الإسلام"، وأشهر من مؤسسها إليجاه محمد، بعدما تنقل بين عدة مساجد أمريكية للخطابة.

وهي الفترة التي غيَّر فيها اسمه من مالكوم ليتل إلى مالكوم إكس ليتخلص من ليتل، وهو اسم أطلقه الرجل الذي عملت عائلة مالكوم لديه وقت العبودية في أمريكا، ثم تزوج إكس من فتاة تتبع "أمة الإسلام" هي بيتي شباز، لينجب منها 4 فتيات.

تنقَّل مالكوم بين دول إسلامية وعربية مثل سوريا ومصر التي أصبح شهيراً بها بعد موته، وقد أُثيرت ضجة كبيرة في تركيا حين اغتياله، وعرفه الأتراك أكثر عن طريق كتاب سيرة حياته "مالكوم إكس.. سيرة ذاتية".

ورغم أنه لم يزر تركيا في حياته فإن تأثيره في الأوساط التركية كبير، ويعد نضاله مثالاً للالتزام بالعدالة لدى الأتراك.

اشتهر مالكوم ودخل في مناظرات كثيرة على شاشات التليفزيون وفي الإذاعات، ودعا إلى تعلم اللغة العربية في أمريكا لأنها لازمة لـ"الرجل المسلم الأسود".

اختلف مالكوم مع إليجاه محمد بعد إصدار الأخير قراراً يمنع فيه التعليق على اغتيال الرئيس الأمريكي جون كينيدي 1968، لكنّ مالكوم إكس علَّق على الحادث ذلك بقوله: "سلاح كينيدي ارتدّ إلى نحره"، فجمَّد إليجاه عضوية مالكوم في المنظمة، وعلى أثرها بدأت الخلافات بينهما منتهية باستقالة إكس.

من الاستقالة إلى الحج

كان الحج محطة جديدة فارقة في حياة مالكوم إكس، فقد ذهب إلى مكة عام 1964 عبر القاهرة ليرى الأسود والأبيض في الإسلام على قدم واحدة ويدرك أن حركة "أمة الإسلام" التي قضى فيها أعواماً لم تكن على حق، فلا يمكن أن تناضل ضد العنصرية بالعنصرية.

بعد ما رآه إكس حول الكعبة من أن البشر جميعاً "واحد"، غيّر اسمه إلى الحاج "مالك شباز"، والتقى حينها الملك السعودي فيصل بن عبد العزيز، والرئيس المصري جمال عبد الناصر، وعاد إلى أمريكا يدعو إلى إسلام غير الذى دعا له من قبل.

أسس إكس جماعة "أهل السنة" بعدما رفض إليجاه أن يصحح مفاهيمه الخاطئة عن الإسلام، وتصاعد الخلاف بينهما، فأمرت الحركة بقتله، وثارت ضده الصحافة الأمريكية، وبات مهدداً بالقتل لدعوته إلى الدين الإسلامي الذي عدّه إكس "الحل الوحيد للعنصرية".

حادث المنصة في نيويورك

أسس مالكوم مؤسسة "المسجد الإسلامي" ومنظمة "اتحاد الأفارقة الأمريكيين" مبتعداً عن كل أفكار "أمة الإسلام" المنحازة إلى السود فقط، وجعل من نفسه داعية للدين الإسلامي والمساواة بين الجميع.

وفي 14 فبراير/شباط 1965 أضرمت مجموعة متعصبة النيران في بيته لكنه نجا من الحريق مع عائلته، لكن بعد أيام قُتل على المنصة، ليحصل الأمريكي الأسود على شهرة تاريخية، ويترك وقتها عائلة من زوجة وأربع فتيات، لم يرَ إكس اثنتين منهن وُلدتا توأمين بعد وفاته، وأقر الرئيس الأمريكي جونسون حق التصويت للسود بعد شهر من هذا الاغتيال.

وتعليقاً على ذلك يقول د.سعيد المصري، أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب بجامعة القاهرة، إن تأثير الفرد في التاريخ الإنساني وحياة الشعوب مهم جداً ولكنه محدود في الوقت ذاته.

ويتابع لـTRT عربي أن هذا يعني أن التغيرات والتحولات الاجتماعية تكون بفعل عوامل متعددة ومعقدة تتعلق بالمجتمعات؛ بعضها داخلي وبعضها خارجي، ووجود أفراد مؤثرين في حياة الشعوب يحدث بشكل استثنائي.

ويتابع المصري أن الأفراد الذين يؤثرون في تغيير تاريخ الشعوب الإنسانية قد يظهرون في سياقات اجتماعية وفترات تاريخية دون أخرى، معتبراً أن "الوجود الإسلامي في المجتمعات الغربية مقيَّد، وهو ما قد يفسر السبب الرئيسي لمقتل مالكوم إكس بعد ذلك".

59 عاماً على سؤال: مَن قتل إكس؟

لم يكن مقتل إكس بعيداً عمّا عاشته الولايات المتحدة الأمريكية في ستينياتها من عنصرية وتوتر سياسي بدأ بقتل الرئيس الأمريكي جون كينيدي عام 1963، ثم مالكوم إكس عام 1965، ومارتن لوثر كينغ عام 1968.

ولأن مالكوم إكس، قصته مغايرة ومفاجئة ومرت بتقلبات كثيرة، فقد طالت هذه المفاجآت مَن أُدينوا في مقتله، ففي عام 2022 حصل محمد عزيز وخليل إسلام على 36 مليون دولار، تسويةً قضائية لهما بعدما أُدينا بالخطأ في مقتل المناضل المسلم، ولكنهما لم يرفعا الدعوى بنفسيهما، إذ توفي خليل إسلام في 2009، ويبلغ عزيز 86 عاماً الآن.

فبعد فيلم وثائقي عرضته منصة نتفليكس (Netflix) بعنوان "مَن قتل مالكوم إكس؟" في 2020، أُثير الجدل حول إعادة التحقيق في القضية من جديد، وجرت تبرئة الثنائي بعد أكثر من 55 عاماً على الحادث.

واليوم يُحيي بعض الولايات الأمريكية ذكرى مالكوم وتاريخه بعطلة يوم 15 مايو/أيار من كل عام، وهو ذكرى مولده.

وقد قضى إكس سنوات عمره الأخيرة في التعاون مع إليكسي هيلاي، على كتابة مذكراته، وكان يقول: "لو نشر هذا الكتاب في حياتي، ستكون معجزة"، وصدق في ذلك!

TRT عربي