عاشت إيطاليا ما بين 1969 و1990 فترة عنف سياسي دامية، تُعرف اصطلاحاً بـ"سنوات الرصاص"، والتي فتحت فيها الجماعات المسلحة اليمينية واليسارية المواجهة فيما بينها، كما طالت أعمال الترويع والتخريب المؤسسات العمومية والمدنيين.
وبعد أزيد من ثلاثين عاماً على انتهاء تلك الحقبة، ما زال شبحها يطارد البلاد، وهو ما أيقظته الهجمات التي شهدتها السفارات الإيطالية في عدد من بلدان العالم، إذ تبنتها جماعات أناركية يسارية متطرفة تضامناً مع ألفريدو كوبيستو، معتقل ذلك التيار السياسي العنيف لدى سجون روما.
مَن ألفريدو كوبيستو؟
يعد كوبيستو أحد الوجوه الدموية في تاريخ إيطاليا السياسي المعاصر، إذ كان العقل المدبر والمنفذ لهجمات طالت مسؤولين حكوميين ورجال شرطة. ليواجه اليوم، من أجل هذه الجرائم، عقوبات حبسٍ بلغ مجموعها 30 عاماً بسجن انفرادي.
ولد ألفريدو كوبيستو عام 1967 في مدينة بيسكارا، قبل أن ينتقل للعيش في تورينو حيث تَشَرّب وعيه السياسي اليساري الثوري، واختار الدخول تحت تيار الأناركية الاشتراكية الثورية، وهو تيار سياسي يعادي السلطة ويطمح إلى تأسيس مجتمع اشتراكي لا سلطوي. كما انتمى إلى منظمة "الفدرالية الأناركية اللانظامية" (FAI)، المعروفة بتبنيها العنف ضد الدولة.
وبما أنه ترعرع خلال فترة "سنوات الرصاص"، تَشَرّب الممارسات التي عرفتها تلك الحقبة الدامية، ومن أبرزها تصفية الحسابات السياسية باستعمال العنف. هكذا في عام 2006، كان أحد المخططين والمنفذين لتفجيرات طالت مدرسة للدرك الخاص الإيطالي "كارابينيري"، بالقرب من مدينة تورينو.
وجرى التخطيط لتفجيرات المدرسة كي تكون على شاكلة فخ متفجر، وذلك باستعمال قنبلتين: الأولى الأقل فتكاً تهدف إلى خلق حالة الرعب والفزع لدفع الموجودين داخل المدرسة إلى الهرب نحو الخارج، حيث سيجدون قنبلة أخرى أكثر فتكاً تنهي حياتهم. لكن، وبأعجوبة، لم تُحدث تلك التفجيرات أي خسائر في الأرواح، فيما اعترفت منظمة "FAI" بمسؤوليتها على التفجير.
وفي عام 2012، اقتحم كوبيستو، رفقة شريك له اسمه نيكولا غي، إقامة مدير شركة للطاقة النووية مملوكة للدولة، ومهاجمته وإطلاق الرصاص على ركبتيه ما تسبب للضحية بإعاقة مستديمة. فيما يعد إطلاق الرصاص على الركبتين أحد تاكتيكات تصفية الحسابات السياسية التي كانت تنفذها منظمة "الكتيبة الحمراء" الإيطالية، خلال فترة سنوات الرصاص.
وبعد هذه الجريمة ألقي القبض على ألفريدو كوسبيتو، وحكم عليه بالسجن 10 سنوات. هذا قبل أن تضاف إليها 20 سنة أخرى، إثر إدانته بـ"القيام بجريمة قتل جماعي سياسية"، عن دوره في تفجيرات مدرسة الـ "كارابينيري" بتورينو.
وبالرغم من وضعه تحت الحراسة المشددة في السجن، نجح كوسبيتو في نشر عدد من المقالات والبيانات على المواقع والمدونات الأناركية، كذلك في إرسال رسائل إلى رفاقه في الخارج. وهو ما دفع وزارة العدل الإيطالية إلى تفعيل الإجراء "41 مكرر" في حقه، والذي يمنعه بشكل تام من التواصل مع العالم الخارجي.
هجمات على سفارات إيطاليا
ورداً على تفعيل الإجراء "41 مكرر" في حقه، أعلن كوسبيتو إضراباً مفتوحاً عن الطعام شهر أكتوبر/ تشرين الثاني الماضي. وهو ما أثار تضامناً واسعاً من طرف الجماعات الأناركية في العالم، والتي عمدت إلى مهاجمة سفارات إيطاليا احتجاجاً على قرار وزارة عدل روما.
وحسب ما ذكره وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاجاني، يوم الثلاثاء، تعرضت سفارات بلاده إلى ما يقارب عشر هجمات، منذ شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، تراوحت بين التخريب والعبوات الناسفة التي ألحقت أضراراً بأهداف دبلوماسية إيطالية في الأرجنتين وبوليفيا وألمانيا واليونان والبرتغال وإسبانيا وسويسرا.
وكان أخطر تلك الهجمات، ما حدث في أثينا، حين استهدف أناركيون سيارتين بالإقامة الدبلوماسية الإيطالية، باستخدام قنابل مولوتوف، أدت إلى احتراق إحدى السيارات. كما كتب أناركيون آخرون على جدران السفارة الإيطالية في برشلونة عبارات داعية إلى تحرير ألفريدو كوسبيتو.
ووفق ما نقلت وكالة أسوشيتد بريس، أوضح وزير الخارجية الإيطالي أنه: "من الواضح أن هناك تضامناً دولياً (بين الفوضويين) وبالتالي يجري تنفيذ هجوم ضد إيطاليا وضد المؤسسات الإيطالية في جميع أنحاء العالم". مضيفاً أنه يجري تشديد الإجراءات الأمنية في جميع السفارات والقنصليات الإيطالية وكذلك وزارة الخارجية.