يستمر العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ليومه الـ52، مخلفاً أكثر من 15 ألف شهيد، بينهم 6150 طفلاً وما يزيد على 4 آلاف امرأة، وأكثر من 35 جريحاً. هذا بالإضافة إلى تشريد مئات الآلاف من الغزاويين، والدمار الهائل الذي أصاب البنى التحتية، وهو ما وُصفته مصادر رسمية فلسطينية وأممية بـ"الكارثة الإنسانية غير المسبوقة".
ومع هذه الحصيلة الإنسانية الثقيلة، هناك كارثة أخرى تتهدد حياة أهالي القطاع، ويمكن أن تعيش معهم لعقود قادمة، جاعلةً من حياتهم هناك شبه مستحيلة؛ وهي الجرائم البيئية التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي، والتي تلوث التربة ومياه القطاع وتجعلها سامة وغير قابلة للإنبات، كما تدمر الأحياء البحرية التي تعد مصدر قوت الغزاويين.
جرائم الاحتلال البيئية في غزة
تتعدد أشكال التأثيرات البيئية الضارة للعدوان الإسرائيلي على غزة، ومن بين أهمها استمرار تكدس جثث الشهداء تحت الأنقاض، وهو ما يهدد بانتشار الأوبئة والأمراض.
ويؤدي تحلل الجثث في المناطق المنكوبة إلى خطر الإصابة بالسل، والفيروسات المنقولة بالدم، مثل التهاب الكبد بي وسي، والتهابات الجهاز الهضمي كالكوليرا والإشريكية القولونية، والإسهال الناتج عن فيروس الروتا، وداء السالمونيلا، وداء الشيغيلات، وحمى التيفويد.
يُضاف إلى هذه الأخطار، الدمار الهائل الذي حلّ بالقطاع. إذ تسببت الغارات الإسرائيلية بتدمير 8500 منزل و40 ألف وحدة سكنية، وتضرر 220 ألف وحدة أخرى، بالإضافة إلى تضرر 88 مقراً حكومياً، و220 مدرسة، و55 مسجداً، و3 جامعات، و3 كنائس، و5 مبانٍ تابعة لوزارة الأوقاف والشؤون الدينية.
وحسب ما صرحت به بلدية غزة، فإنها صعوبة كبيرة في نقل هذا الركام إلى مناطق آمنة، بسبب استمرار القتال وافتقارها للآليات الثقيلة للقيام بذلك. كما تعجز بسبب أيضاً عن ترحيل النفايات الصلبة إلى مكب النفايات الرئيسي شرقي المدينة، وبالتالي تتجمع حالياً كميات هائلة تزيد على 25 ألف طن من النفايات في وسط المدينة وقريبة من السكان.
ويتسبب تراكم حطام المباني في مشكلات صحية خطيرة على السكان، من بينها التسمم بمادة الأسبستوس، التي تتسبب بداء التليف الرئوي، كما تؤدي إلى عدة أنواع من السرطان كسرطان الرئة والحنجرة والمبيض، وفق ما ذكر موقع منظمة الصحة العالمية. وحسب تقرير لمنظمة "العمل ضد العنف المسلح" (AOAV)، فإن مادة الأسببستوس تتسبب بخطر تلوث طويل المدى.
ودمّر القصف على غزة شبكة الصرف الصحي، وهو ما قد يؤدي، حسب التقرير المذكور، إلى تلوث المياه الجوفية والسطحية ومياه بحر القطاع. وكمثال على هذا التلوث، خلال حرب 2008، تسبب القصف الإسرائيلي في تدمير حوض محطة المعالجة في حي الزيتون، وهو ما تسبب في تسرب 100 ألف متر مكعب من المياه العادمة، ولوث نحو 55 ألف متر مربع من الأراضي الزراعية.
وخلال حرب 2021، قدرت خدمة المياه والصرف الصحي والنظافة بالقطاع، أن نحو مليون من السكان تأثروا بشكل مباشر من جراء تدمير شبكات المياه والصرف الصحي، وجرى تصريف المياه الملوثة في الشوارع والحقول وخزانات المياه وفي البحر الأبيض المتوسط.
ومع اجتياحها القطاع، تسببت القوات الإسرائيلية في تجريف عدد من الأراضي الزراعية وتلويثها بوقود الآليات العسكرية والذخائر التي لم تنفجر.
ومن الصعب الحصول على رصد دقيق لهذا الدمار، لكن حسب دراسة مشتركة بين برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وهيئة مساعدة الشعب الفلسطيني، عن حرب 2008 التي تعد وتيرتها أقل مقارنةً بالحرب الجارية، جرى تدمير 17% من المساحات الزراعية و17.5% من البساتين و9.2% من المراعي بالقطاع.
هل يمكن محاسبة إسرائيل على جرائمها البيئية؟
حسب رئيس اتحاد البيئة الأردني عمر شوشان، فإن "هناك تأثيراً مباشراً للحروب على تدمير النظم البيئية، خصوصاً عند استخدام الأسلحة الكيميائية المحرَّمة دولياً، مثل الفوسفور، الذي استُخدم في الحرب على غزة".
وأضاف أن "هذه الأسلحة الفتاكة تسبب كارثة بيئية على مستوى العناصر الأساسية للبيئة، حيث تلوث التربة والمياه الجوفية والمياه السطحية والهواء، مما يجعلها شديدة السمية على مدى طويل ومضرة بصحة الإنسان".
في المقابل، يبقى السؤال مطروحاً حول مدى إمكانية محاسبة إسرائيل عن هذه الجرائم البيئية التي ترتكبها في حق الفلسطينيين في غزة. وهو أمر ممكن حسب القانون الدولي، لكنه يرتهن بتحرك الهيئات الفلسطينية والمنضمات الناشطة في مجال البيئة في القطاع، من أجل المطالبة به. ويبدأ أولاً بجمع الأدلة الجنائية والبيانات حول الآثار البيئية الضارة للعدوان الإسرائيلي.
وحسب الخبير البيئي الأوكراني بوهدان كوتشينكو، فإن محاسبة المتسببين في الجرائم البيئية في أوقات الحرب تعد "إحدى كبرى المشكلات التي تواجهها البلدان المتضررة اليوم"، ذلك "إذ لم يجرِ التعويض عن الجرائم البيئة خلال الحرب إلا في حالة واحدة، وهي عندما غزا العراق الكويت ودمَّر حقول النفط، وتسربت كميات من النفط إلى الطبيعة، ففُرض بعض التعويضات على العراق".