ولكن الحال بينهن خرج تماماً عن السيطرة وعن مجال "حرب الصابون" في العام الأخير، عام كورونا، عام الحجر والانعزال في البيوت وساعات الحظر التي دفعت كثيرات إلى تجربة تصنيع ما هو أكثر من الصابون أو حتى الزبادي، فقد بدأت الأفكار تدور حول تصنيع الجبن الرومي والشيكولاتة، وكان هذا لا بأس به أيضاً كمنتجات غذائية تحتمل التجريب المنزلي، ولكن مع نهاية العام ظهرت على قنوات يوتيوب وصفحات فيسبوك طرق تصنيع مستحضرات التجميل، بل وحتى صناعة الكلور والوجبات الجافة للحيوانات الأليفة والـ"سلايم"، وظهرت فيديوهات تحمل شارات "كيف تصنع بنفسك طاحونة هواء تُمِدُّك بالكهرباء في المنزل؟"!
إسراء محمد أم لثلاثة أطفال، ثلاثينية، عاملة، قالت لـTRT عربي إنها منذ زيادة وزنها بسبب الانعزال في المنزل منذ عام تقريباً بسبب تداعيات كورونا والمكوث في المنزل لعدة أشهُر، قررت أن تتبع نظاماً غذائياً صارماً، لكنها واجهت مشكلة جعلتها تلجأ إلى تصنيع بعض المنتجات في المنزل: "منتجات الدايت سعرها مرتفع جداً، قالب الشيكولاتة الصغير ما بين 95 و125 جنيهاً مصرياً (6-8 دولارات)، في حين أنك إذا اشتريت علبة مسحوق كاكاو خام فلن يتجاوز سعرها 15 جنيهاً (دولاراً واحداً)، أصنع منها شيكولاتة غامقة، قد لا تكون بنفس الطعم، ولكنني أكون سعيدة جداً لأنني أعرف ممَّ تتكون وأنها بلا مواد حافظة، حتى إن أبنائي يأكلون منها، فأنا لا أصنعها لهم بل لنفسي حتى تتناسب مع نظامي الغذائي، كذلك أصنّع الكاتشب في المنزل، ولكن الكاتشب الجاهز يحتوي على نسبة كبيرة من السكر فيما أقلّل أنا كمية السكّر فيختلف الطعم، لكننا أيضاً نُقبِل عليه، لأنه أفضل كمنتج معروف مكوناته وبلا أي مواد حافظة مضرة، وكذلك موفر للغاية. أصنع أيضاً خبز التوست المصنوع من الدقيق الأسمر بتكلفة لا تتجاوز ربع ما أدفعه لشراء الجاهز".
بالحديث عن التكلفة، كان يجب أن نعرف إن كانت سيدات البيوت والأمهات يفكّرن بشكل علمي أو اقتصادي سليم. TRT عربي سألت الدكتورة نهلة سعد الدين، باحثة الاقتصاد بجامعة حلوان بالقاهرة، فقالت: "طبقاً لمفاهيم الاقتصاد فنحن لا نقدّر التكلفة بأن هذا المنتج كلفني عشرة جنيهات والآخر كلفني عشرين جنيهاً؛ التكلفة مرتبطة بالمنفعة، كيف ذلك؟ مثلاً إن كنت سأصنع شيئاً بعشرة جنيهات ويسد حاجتي فهذا جيد جداً، لكن إن كنت سادفع في شيء مماثل 5 جنيهات ولم يعُد عليّ بمنفعة، فهذا يُعَدّ إهداراً للموارد والمال".
ومن ضمن تداعيات العزل المنزلي كإجراء وقائي لكوفيد-19 فإن معظم الأفراد أصبح لديهم وقت فراغ كبير في المنزل، مما دفع كثيرين إلى تجربة أفكار جديدة وتبادل الخبرات والتعلم كل حسب اهتمامه، وهو أمر جيد إذا استُخدم بنظام وانضباط، فلجأ كثيرون إلى التعلم عن طريق دورات تعلُّم عبر الإنترنت، ومشاهدة مقاطع تعلُّم على يوتيوب وبعض صفحات فيسبوك، وهو ما أشارت إليه أسراء في حديثها مع TRT عربي: "تعلمت كثيراً من خلال فيديوهات يوتيوب، وكذك من صفحات مجموعات الحمية الغذائية على فيسبوك، كذلك أتابع بعض الشخصيات العادية والطهاة وأجرّب وصفاتهم، ينجح بعضها مثل الخبز الأسمر وزبدة الفول السوداني والزبادي، ويفشل بعضها مثل كريب العدس، الذي نجح مع آخرين".
اللحم المصنَّع أكثر الاختبارات الصعبة التي تواجه الأمهات دائماً، بين إلحاح الأبناء لتناول هذه المنتجات الجاهزة، وعلمها بتدنِّي جودتها وارتفاع أضرارها، فلجأت كثيرات إلى صنعه منزلياً، مثل أنجي إبراهيم، كاتبة وأم لطفل، جربت تصنيعه، وقالت لـTRT عربي عن هذه التجربة: "نحن أسرة تعشق الشطائر السريعة، بخاصة زوجي الذي يأخذ الأكل من البيت ولا يشتري أي طعام جاهز. وجدت أننا نستهلك كميات كبيرة من الساندوتشات، وكنا مللنا أنواع الجبن المختلف ونخشى شراء أي لحوم مصنعة خوفاً من الأضرار، فتعلمت تصنيعه بمشاهدة عدة فيديوهات وتجريب عديد من الوصفات، حتى أصبحت أصنعه جيداً جداً مقبولاً طعمه وقوامه، مكوناته جُبن مطبوخ ودقيق وزيت وتوابل، وهو أنجح شيء جرّبت تصنيعه في المنزل، وزوجي متقبل طعمه ويفضّله على الجاهز، وموفر جداً، فيما فشلت فشلاً ذريعاً في تصنيع الزبادي".
تقول الدكتورة نهلة: "لو أن اللانشون المنزلي مكلّف أكثر من الجاهز فهو بالفعل اقتصادياً أوفر، لأنه على المدى الطويل لن أذهب إلى طبيب يداوي أضرار الجاهز، بالعكس، ضمنت مكوّنات ما يأكله أبنائي وتغذيتهم بمكونات سليمة وصحية، ومع إغلاق كثير من روضات الصغار استُغلّت هذه الأماكن لتصنيع الوجبات نصف الجاهزة وتحولت إلى مشاريع لا متناهية الصغر تخدم بيوتاً كثيرة في الجوار وتعول أسراً كثيرة كانت فقدت عملها مع تطبيق الحظر بسبب كورونا، بل وتوجد مشاريع صغيرة لتصنيع اللحوم ناجحة جداً وصحية جداً جرّبتها بنفسي، قوامها وطعمها ممتازان، لكن لا يعني هذا أنه لا مخاطر للمنتجات المصنعة في المنزل".
تقول رحمة عبد الله، عشرينية، معيدة بكلية الهندسة: "أمي لديها هوس بتجربة أي شيء تشاهده على يوتيوب، طرق حفظ الطعام وتخليل الخضراوات كلها أشياء لا بأس بها، ولكنها بدأت تصنيع الكلور في المنزل، وكانت تجربة فاشلة، وفي مرة أخرى صنعت مسحوقاً لتبييض الأسنان من خميرة الخبز والملح، مع الوقت بدأت تلاحظ اهتراء اللثة فتوقفت عن استخدامه والحمد لله، وبدأت الآن استخدام قشر الموز للتبييض بدلاً منه".
تعلّق على ذلك الدكتورة نهلة: "كثير من المصنعات في المنزل لا يخضعن لرقابة جهات كوزارة الصحة، بخاصة مستحضرات التجميل والعناية بالشعر والبشرة، وظهر كثيرات يبِعْن هذه المنتجات في النوادي بلا رقيب، ولو أن المنتجات طبيعية فهي بالتأكيد بلا موادّ حافظة وبلا تاريخ انتهاء صلاحية معروف، وقد يتفاعل بعض الموادّ معاً بشكل مُؤذٍ، وإن كانت طبيعية".