مِن الواضح أنّ معظم هذه التغييرات تشكّل خطراً على الصّحة وتجعل الشّخص عُرضةً لمشاكل صحيّة عديدة مِن ضمنها الوزن الزائد والسُمنة والأخطار الصحيّة على المصابين بالأمراض المزمنة.
على الرغم من التغييرات الغذائية التي تحصل خلاله، يُعتبر شهر رمضان فرصة رائعة وقيّمة لمن يرغب في تحسين الصّحة العامة للجسم أو فقدان الوزن أو حماية نفسه من الأمراض المزمنة وأمراض الجهاز الهضمي، فإنّ ما يؤثر على هذه الفرصة ويجعلها صعبة الحدوث هو مجموعة السلوكيّات الشائعة المرتبطة بهذا الشهر الفضيل وخاصة في الدول العربية.
سلوكيات مرتبطة بنمط الحياة العام
مِن أهم السلوكيّات غير الصحيّة في شهر رمضان المبارك، المرتبطة بنمط الحياة العام والتي تتمثل أولاً بالخمول الحركي، إذ نظراً لضيق الوقت وتأثيرات الصيام يتّجه معظم الأشخاص لاتّباع نمط خمولٍ تامٍ خالٍ مِن أيّ نشاط بدني عدا الأنشطة المنزلية البسيطة أو إنجاز العمل الوظيفي الذي عادة ما يتّصف بقلّة النشاط الحركي وخاصة مع الظروف المحيطة المرتبطة بالإجراءات الخاصة لمواجهة جائحة كورونا.
سلوك آخر شائع بشكل كبير وخاصةً عند الأطفال والمراهقين والشباب وهي السّهر طوال فترة الليل ومن ثمّ النّوم غالب ساعات النهار حتى تنتهي ساعات الصيام المفروضة شرعاً، وعلى الرّغم مِن أنّ هذا السّلوك مدمر صحياً إلا أنّه شائع بشكل كبير تخفيفًا مِن شدة الصيام وطول ساعاته.
سلوكيات أخرى عديدة شائعة، إلا أنّ أكثرها شيوعاً هو الخمول الحركي وانقلاب الليل والنهار كنمط حياة، وكلا السلوكين يجب الامتناع عنهما من خلال الحفاظ على نمط الحياة المعتاد والحرص على النّوم ليلاً وخاصةً في الفترة ما بين الساعة 11-3 صباحاً للحفاظ على سلامة الأيض في الجسم، أمّا النشاط البدني فيجب الحفاظ على نشاط لا يقل عن نصف ساعة يومياً مِن خلال التمارين المنزلية أو المشي السريع أو أي نشاط متوفر كالقفز على الحبل وصعود ونزول الدرج بشكل متكرر.
سلوكيات مرتبطة بالنظام الغذائي
تُعتبر السلوكيّات المرتبطة بالنّظام الغذائي الأكثر خطراً وتأثيراً على الصحة، وخاصة ما يرتبط باختيارات غذائية غير صحية، ومِن أهمها الإسراف في شرب العصائر لتروية الجسم ولتعويض العطش خلال ساعات الصيام، وتُعدّ العصائر المُصنّعة الأكثر استهلاكاً عادةً غنيةً بالسكريّات والملونات والمنكّهات والتي تشكّل خطراً على الصّحة، وتعرّض الشخص للوزن الزائد والسمنة إضافةً إلى جعله أكثر عرضة للإصابة بمرض السكري والقلب وغيرها مِن الأمراض المُزمنة، ولمخاطر صحيّة ناتجة عن ارتفاع سكر الدم المتكرر.
الإسراف في استهلاك الحلويات وخاصة الحلويات العربية الغنية بالزبدة والسمن وعادة ما تكون مقطّرة كالقطايف والبقلاوة والبسبوسة وغيرها، ومن الشّائع استهلاك الصائم كمية كبيرة منها دون الحذر من محتواها الكبير مِن السعرات الحرارية والدهون والسكريات وتأثيرها المتمثّل برفع سكّر الدّم بشكل سريع مما يُسبب مشاكل صحية عديدة.
استهلاك المقالي والأطعمة الغنية بالزيوت والدهون وخاصّة في وجبة الفطور، ومن المقالي الشائعة الكبّة والسمبوسك التي تُعتبر غنية بالدّهون بنسبٍ عالية إضافة لكون مكونها الأساسي من مجموعة النشويات كالعجين أو البرغل.
أمّا السلوكيّات الغذائية الأخرى فلا يقلّ تأثيرها عن الاختيارات الغذائيّة غير الصحيّة، ومِن أهمّ هذه السلوكيات استهلاك الطّعام لحدِّ التُّخمة في وجبة الفطور وبشكل مفاجئ للجهاز الهضمي، حيث يُسارع الصائم إلى تناول ما لذّ وطاب مِن الأطعمة والعصائر بشكل مباشر في وجبة الفطور بينما يكون الجهاز الهضمي في حالة راحة لساعات طويلة، ويجب البدء بتناول الطعام بشكل تدريجي ومنظّم تجنباً للشعور بالتّخمة والامتلاء وآلام المعدة وتهيّج القولون.
ومن السلوكيّات الأخرى الاستمرار بتناول الطعام لحين بدء صيام اليوم التالي، حيث يتّجه الصائم إلى استهلاك الوجبات بشكلٍ متكرر وغير منتظم مما يؤدي إلى استهلاك كميات كبيرة مِن السّعرات الحرارية، والتي غالباً ما تكون غير صحيّة بل وتتميّز بكونها غنية بالدهون والسكريات الضارة والأملاح.
ولا يعتبر تناول وجبة السّحور صحياً حين تكون وجبةً دسمةً غنية بالأملاح، مثل ما يُتناول في وجبات الفطور الصباحيّة في الأيام العادية، أو حين تكون أطعمة بقايا وجبة الإفطار مما يشكل حِملاً ثقيلاً على الجهاز الهضمي وخاصة أنّها وجبة متبوعة بساعات نوم بغضّ النظر عن المدة.
اتباع سلوكيات صحية وسليمة في شهر رمضان
مِن المهمّ في شهر رمضان الحفاظ على نمط الحياة الاعتيادي دون إحداث تغييرات جذرية فيه، والحفاظ على ساعات النّوم الليلي وعلى جهد بدني متوسط لمدة لا تقل عن 45 دقيقة في ثلاثة إلى خمسة أيام أسبوعياً.
أمّا الاختيارات الغذائيّة فإنّ الماء يُعتبر الخيار الأكثر صحّة لتروية عطش الصائم، والحرص على تجنب تحضير أو توفير العصائر المصنّعة في شهر رمضان مهم جداً ويمكن استبدالها بكميّات بسيطة لا تتجاوز 1-2 كوب يومياً مِن العصائر الطبيعية قليلة السكر مثل الكركديه أو التمر الهندي أو عرق السوس أو عصير الليمون والنعناع الطبيعي أو عصير البرتقال الطبيعي.
ويجب البدء في وجبة الإفطار بشكل تدريجي بحيث يُمهّد الصائم دخول الطّعام إلى الجهاز الهضمي بعد ساعات الصيام الطويلة مِن خلال شُرب الماء ومن ثمّ الشوربة ومن ثمّ البدء بوجبة الإفطار قليلة الدّهون والمحضّرة بطرقٍ صحيّة كالشوي أو السّلق وبدون كميّات أملاح كبيرة والتي يمكن الاستعاضة عنها بالتّوابل.
وجبة السّحور يجب أن تكون وجبة خفيفة صحية تُساعد الصائم على الشعور بالشبع لساعات طويلة وتجنّب الشعور بالعطش الشديد، ومن أفضل الخيارات في وجبة السحور تلك الأطعمة الغنية بالبروتين مثل البقوليات كالفول والحمص وبياض البيض والأجبان غير المملحة والحليب، والأطعمة الغنية بالبوتاسيوم مثل المشمش والموز واللبن.
وحيث إنّ الدراسات العلمية أثبتت أهمية الصيام ودوره في تحسين صحة الجسم وإنقاص الوزن، فإنّ استغلال الشهر المبارك يُعتبر فرصة مهمة، بشرط اتّباع نمط حياة ونظام غذائي صحيّ مناسب للعوامل الفردية للشخص كحالته التغذوية وحالته الصحية مزامنة للصيام.